رواية: الخوف في روح طفلة

المقدمة

أشعر بالرهبة، والتيه دائمًا، كل شيء حولي يثير للخوف، وعدم الأمان مما جعلني أسيرة؛ لم أعرف إلى متى سأظل هكذا محكوم عليّ‌ أعِش بين قضبان الخوف، والتيه؟ وأسأل روحي هل سيأتي يوم وأشعر بالأمان؟

" الجزء الأول "

رواية: الخوف في روح طفلة

أدعى "سجود" أبلغ من العمر اثنا عشر ربيعا، ذو بشرة خمريّة تزينها حمرة على وجنتي، لدي شعر بني طويل مثل الحرير، عيوني لونها مثل لون السماء في زرقتها، هادئة الطباع، مسالمة، في الثلاث سنوات الأخيرة، حياتي قلبت رأسًا على عقب، ولم أشعر بالاستقرار بسبب ما أراه وأسمعه من منازاعات، ومشاجرات بين والدي يدعى" عاصم" ووالدتي  تدعى "ثريا"  كل حين افتقد منهم الاحتواء، عندما يحدث معي أمرٍ ما أو أريد أرائهم أو يشاركوني في شيء لم أجد أحدٍ منهم يفهمني أو يستمع لي حتى، كثير ما أشعر منهم بأنني في عالم موازي؛ حتى جدتي تعاملني معاملة قاسية، كل هذا جعل الخوف يعانقني، والشعور بالضياع يحتلني، أصبحت مثل أوراق الشجر في فصل الخريف؛ تجف وتتساقط 

ـ الخوف في روح طفلةــ

مكثت طيلة الليل أتقلب على الفراش؛ لم أستطيع النوم من حدث اليوم الذي رأيته وأنا عائدة من المدرسة، ولم أستطيع البوح به، وخلافات أمي وأبي الذي يتكرر كل حين، ولكن هذه المرة، أشعر بالتيه، والضياع أكثر من المرات السابقة، وأخذت أفكر ماذا يحدث لي إذا أصرت والدتي، ونفذت تهديدها لوالدي؟ وأسئلة كثيرة تراودني 

فأنا مازالت صغيرة في أول مرحلة في الإعدادية، ظليت أفكر؛ حتى غفوت عيناي من كثرة التفكير، وعندما أشرقت شمس الصباح استيقظت على صوت والدتي، توقظني؛ لأذهب إلى المدرسة، كنت لم أستطيع النهوض، جسدي متعب من كثرة التفكير طيلة الليل، أجبتها بنعاس

- اتركيني يا أمي أنام نصف ساعة آخرى، الوقت مازال مبكرًا

فإني، ولم أكمل جملتي عندما تحدثت والدتي بعصبية 

-انهضي ياسجود، ولم تخرجيني عن شعوري وأستخدم معكي أسلوب لم يعجبك

نهضت سريعًا؛ ثم اتجهت إلى المرحاض وغسلت وجهي، وتوضأت، وصليت صلاة الصبح؛ ثم اتجهت إلى الطاولة لأتناول الإفطار، كانت شهيتي مفقودةٍ، ولكن تناولت لقيمات صغيرة لكيلا توبخني أمي، وعندما ذهبت إلى المدرسة كنت جالسة في الفصل شاردة الذهن، ولم أنتبه لشرح المُعلم مما جعلني لم أستطيع الإجابة على سؤاله الذي سألني إياه، وضحك عليّ زملائي؛ لأنه سؤال سهل؛ فسألني مجددًا

- ماهي الأفعال الثلاثة مع التعريف كل منهما؟

لم أجيبه بسبب حالة التوتر التي كنت بها، وشرود ذهني الذي يسيطر عليَّ؛ فشعر المُعلم أن بي شيء؛ فربت على كتفي وسألني بلطف 

- مابكِ ياسجود كنتِ تليمذة ماهرةٌ ولماذا يبدوا عليكِ التوتر، ولماذا أنتِ شاردة ؟ 

- عذرًا أستاذ عمر؛ فإني متعبة، وكنت لم أأتي اليوم، ولكن والدتي أصرت على ذهابي إلى المدرسة.

- في الاستراحة التي بين الحصص أأتني في غرفة المعلمين، أريد أن أتحدث معكِ

أومأت له وشعرت بإرتجاف بداخلي من الخوف؛ فإذا علم شيء من المؤكد أنه سيخبر أبي، ويحدث لي مالا يحمد عقباه، خشيت أن يصدر أبي قرارًا  بعدم ذهابي إلى المدرسة ثانيةً، وأحرم من التعليم؛ فطلبت منه أن يأجل هذا الحديث لوقتٍ لاحق؛ لعله ينسى الأمر؛ أومأ لي، وهو يربت على كتفي وأشار لي بالجلوس فتنهدت؛ لإنه لم يعاقبني على عدم إجابتي على سؤاله وعدم تركيزي، ولم يصر على مجيئي غرفة المعلمين.

( فقد الاحتواء يدمر نفسية الأبناء، ويؤثر على مستقبلم أحيانًا)

وعندما جاء وقت الاستراحة لم أنزل مع زملائي إلى فناء المدرسة، ومكثت بالفصل كنت، واضعة يدي على وجهي وأبكي، وأسأل نفسي ماذا أفعل في هذا المصير الذي ينتظرني؟ وإذا برفيقتي "رينادا" تدلف إلى الفصل وتربت على ظهري وسألتني بقلق 

- ماذا بكِ يا سجود؟ ولماذا لم تنزلي إلى فناء المدرسة نتسامر ونلعب سويًا؟ 

وعندما شعرت بها؛ أخذت أجفف دموعي التي تنهمر، ولم أستطيع استوقافها؛ فسألتني بقلق عن سبب البكاء، ولم أتمالك نفسي، وارتميت بحضنها، وأجهشت بالبكاء أكثر، أخذت تربت على ظهري وتهدئ من روعي، وبعد أن هدأت قليلًا سألتني مجددًا

- ماذا بكِ ياسجود؟ وما سبب البكاء؟ أخبريني يا صديقتي

سردت لها ما حدث ليلة أمس، وتهديد والدتي لوالدي، وما سمعته منها وهي تتحدث في الهاتف وقرارها وأنها ستأخذني معها لمنزل أهلها وجدتي "نعمات" ومعاملتها لي القاسية؛ لأنني أنثى وهي تحب الذكور، وتقول إني شؤم؛ لأن والدتي لم تنجبا أطفال بعدي، وإذا مكثت مع والدي من سيرعى شؤوني؛ فأنا في أول سنة من المرحلة الإعدادية، وهو يخرج في الصباح لعمله، ويأتي في أول المساء، وطباعه حادة، وقليل التحدث، وسينفث غضبه فيَّ كل حين، وكأنني السبب، وإذا ذهبت مع والدتي سأنال من جدتي مالا يتحمله أحد، ولكن لم أخبرها عن ما حدث البارحة عن ما حدث وأنا عائدة من المدرسة، ولكن سألتها 

- ماذا أفعل يا رينادا في هذا الأمر؟ أنا بين نارين وفي تلك الحالتين سأفقد أحدهما غير المعاناة التي سأعانيها؟ 

- كل هذا بداخلك ياصديقتي؟ ولكن مع رينادا لا تحزني، ولا تقلقي أنا عندي حل، وسأقول لكِ كيف تتخلصي من هذا العذاب.

يتبع...

رواية: الخوف في روح طفلة "الجزء الأول"

بقلم: عزة أبو يوسف

إرسال تعليق

أحدث أقدم