في يوم من الأيام بداخل منزل صغير في غرفة مظلمة كئيبة، كنت أجلس وأهلي يمرون أمام الباب، أختي مرة وأبي مر وأمي مرة، وأنا كما أنا جالس على مكتبي في هدوء، وحزن؛ بسبب رسوبي مرة آخرى في الثانوية العامة؛ حتى قطع هذا الهدوء صوت أمي تقول
أمي: هتفضل قاعد كده يبني، مش هتعمل حاجه؟!
أنا: هعمل ايه طيب؟ ما إللي حصل حصل، هغير الماضي يعني؟!
أمي: لا بس حاول تاني واسعى، قدر الله و ما شاء فعل، دا نصيبك
أنا: مقولتيش الكلام دا ليه في أول مرة؟ بدل ما كنتي قعدتي تأنبي فيا
أمي: كلنا كنا زعلانين عليك واتنكد علينا بسبب النتيجة
أنا: بس أنا حاولت وتعبت، وبجد حاولت أوي المرة دي
أمي: بس يبني دا مكنش كفايا كان لازم تحاول أكتر أعترف أنك قصرت
أنا: أنا قصرت في ايه؟ مذاكرة وذاكرت، حل وحليت، أعمل ايه تاني؟
أمي: طب أهدى طيب وقوم روح صالح أبوك، دا زعلان من يومها
أنا: هو المفروض مين يواسي مين؟
أمي: قوم صالح أبوك أسمع الكلام، أبوك زعلان ومش طايق حد من يومها، أسمع كلامي.
أنا: حاضر.
أمي: شاطر، قوم يلا وقوم اتغدى معانا، مينفعش كده
أنا: حاضر.
بعد مرور القليل من الوقت تنهدت وقولت في نفسي: مش يمكن أنا إللي قصرت؟ وأنا الغلط، كله فيا أنا لازم أعتذر.
دخلت على أبي وهو جالس يُشاهد التلفاز، يُقلب في قنواته كالعادة.
أنا: بابا
أبويا: نعم!
أنا: أنا آسف
أبويا: على ايه؟!
أنا: على تقصيري، بس أنا والله عملت إللي عليا.
أبويا: معملتش إللي عليك، اتحايلنا عليك تنزل دروس موافقتش، قولت أنا تمام كده، كان هيجري ايه لو نزلت؟
أنا: أنا آسف، حقكم عليا
أبويا: متعتذرش لينا، اعتذر لنفسك، أنت إللي قصرت في حق نفسك قبل ما تقصر في حقنا.
أنا: أنا آسف، هعمل إللي عليا المرة دي، وهسمع كلامكم، أنا آسف.
أبويا: إللي أنت شايفه صح أعمله، أنا تعبت منك
أنا: حاضر.
ذهبت إلى غرفتي بعد ما سمعت كلمتين، ودخلت وقفلت الباب، وقعدت على سريري؛ حتى قطع هذا الصمت أمي وهي تفتح الباب.
أمي: هاه كلمت أبوك؟
أنا: آه، كلمته وخدت كلمتين وجيت.
أمي: أبوك بيخاف عليك، وبيحبك
أنا: حاضر، عاوزين مني حاجة؟
أمي: عاوزينك بخير، وعاوزينك يابني تتعب على نفسك.
أنا: حاضر
أمي: تمام يبني بردو مقومتش كلت معانا، أجيبلك تاكل؟
أنا: لا، شكرًا، مش جعان.
أمي: هتفضل متاكلش كتير كده؟!
أنا: معلش، مش جعان، مليش نفس.
أمي: تمام براحتك يابني، لو جوعت الأكل في التلاجة
أنا: حاضر.
خرجت أمي، وأنا اتغطيت ونمت، وصحيت تاني يوم اسعى على حلمي، وأجتهد أكتر من السنتين إللي فاتو، وأروح دروس، وأجتهد، وأذاكر، وأجيب ملازم، ومذكرات، وكتب، وبعد أيام، وأسابيع، وشهور، بعد ما مر ١٢ شهر، دخلت على أهلي بالنتيجة، وأنا ابتسم وبتنطط من الفرحة
أنا: أنا نجحت
أمي: تزغرط وتهلل، وتقولي: ألف مبروك يابني
أبويا: ألف مبروك يا حبيبي
واجتمعت الجيران، والقريب، والبعيد، واجتمع الكل، وبقيت أسبوع استقبل التهاني، والتبريكات بمناسبة نجاحي في هذه السنة المريرة، الصعبة، وأخيرًا قد اجتزت الثانوية العامة بتقدير لا بئس به.
وها أنا جالس في نفس غرفتي اللي اختلفت جدًا عن قبل، كده كان فيها نور وحياة، كان فيها فرحة وأنا قاعد على نفس مكتبي، والسعادة باينه على وشي، ومبسوط جدًا، وأفكر، وأجهز نفسي لي الرحلة القادمة.
بقلم: محمد أشرف