سيجلو حزني

 «سيجلو حزني»



جلست أحلام والحزن قد استوطن بعينيها معلنة استسلامها لوضعها الحالي، وأحست أنها فقدت القدرة على التفكير؛ فقد استنفذت كل طاقاتها في البكاء، وكأنها غرقت في بحر الذكريات، أين كانت؟

وماذا أصبحت؟

كانت تلك الفتاة التي تمنح هالات من البهجة لكل من حولها منذ صغرها، إلى أن صارت شابة جميلة، تحتاج لرفيق الحياة؛ كأمنية أي فتاة في عمرها، ولم تسعى، أنهت دراستها الجامعية بتفوق، واقتحمت سوق العمل، وكانت مبدعة ومتميزة، وكانت لديها اقتراحات رائعة؛ لإنجاح المؤسسة التي تعمل بها، مما جعل مديرها ينظر لها بإعجاب شديد، وكانت أحلام مهذبة، راقية، وجميلة الخصال، وملامحها رقيقة وناعمة، وتمتلك حضورًا في كل الاجتماعات، ولكنها كأي إنسان ناجح، له حاقدين، وأعداء، وسرعان ما قرر أن يربط بينهما عقد زواج أبدي، وكانت قد أحست باهتمامه بها عن باقي الزميلات، وبعد فترة تزوجا وأنجبا بنتًا وصبيًا، وكانت قد ملأت حياته بهجة، وقد حرصت على أن تحسن تربية الأبناء على التمسك بالدين، والخصال الفاضلة، واستمرت في العمل معه، وآزرته في أحلك الظروف؛ حتى أتت تلك الفتاة تطلب عملًا، وقد تصنعت في باديء الأمر بالتعفف، وقلة الحيلة، بل كأنها أفعى حمقاء بهيئة أنثى؛ حتى أوقعته في براثن شباكها، وانتهت أيام السعادة لأحلام منذ تلك اللحظة؛ فقد كان فريسة سهلة وبدهاء الأنثى كانت تتدلل، لكنه كان رجلًا لا يقنع إلا بالحلال، وكأنها قامت بتنويمه، وطلب منها أن يتزوجها سرًا، وطلب من زوجته السابقة أن تترك العمل بحجة الاهتمام بأبنائه، وكانت زوجة مطيعة لم تكسر له كلمة، وكانت الصاعقة على رأسها بعد أن دخلت مكتبهُ، ووجدت تلك الفتاة تقترب منه، وتضع كفها على وجهه، وهو ينظر لها بهيام، ولم يشعر أي منهما بوجودها، وكأنها طعنت في قلبها بسيف مسموم، لكنها واجهته؛ ليعترف لها بأنه تزوجها؛ لأن الشرع حلل له ذلك، وأنه لم يفعل الحرام، لكنها أحست أنه قصد أن يهدر كرامتها، وكانت مسترسلة في حديثها معه، أنها لم تقصر نحوه ونحو أبنائه؛ فلِمَ؟

أحلام: حاتم طلقني، مش عايزة أكمل مع واحد خاين.

حاتم: انتِ عارفة بتطلبي إيه؟ انتِ اتجننتِ؟

أحلام: عارفة، بصون كرامتي اللي هي عندي أهم حاجة.

حاتم: وولادك؟ مافكرتيش فيهم؟ هايتربوا إزاي؟ وتصرفي عليهم منين؟

أحلام: الأولاد مش هاحرمك منهم، وربنا سبحانه وتعالى هو اللي بيرزق.

حاتم: اقترب منها، وكان على وشك عناقها معلنًا أنه يحبها، ولا يمكنه الاستغناء عنها، محدثها: أحلام أنا بحبك، بلاش تخسرينا كل حاجة بسبب سوء تفكيرك ده، شرع ربنا.. 

أحلام قاطعته، وأزاحت عنها يده في عنف، وقالت: أنت اللي خسرتني، وبطلت تحبني، لو حقيقي أنا غالية عندك طلقها، أنت لما طلبت مني أسيب الشغل ما رفضتش عشان بحبك أوي، عشان ما تزعلش، عشان ولادي أولى اللي منك.

حاتم: ماقدرش أطلقها، أنا بحبها هي كمان، هي ما عملتش حاجة معايا وحشة عشان أسيبها.

أحلام: اللي تسمح لنفسها تخرب بيت راجل متجوز، وعنده بيت وعيلة تبقى مش أصيلة، وبكرة الأيام تبقى شاهد على اللي باقوله يا حاتم.

حاتم: يعني أنت عايزة تتخلي عني، وتبعدي بعد الحب ده كله؟

أحلام وقد صارت تذرف عبرات كالمطر: مين اللي اتخلى عن مين، وطاوع نزواته؟!

حاتم قاطعها في عنف: لآخر مرة باقولك إني عملت اللي الشرع حلله، وكمان هي حامل دلوقتي، يعني شايلة ابني أو بنتي، ما أقدرش أتخلى عنها.

أحلام: يبقى أنت اللي أخترت، وزي ما قولتلك كاس ودايرة بتدور، هاروح لبيت أمي لحد ما تتمم إجراءات الطلاق، ومش عندي كلام تاني أقوله، شكرًا.

تركته في هدوء، وكادت تختنق من عبراتها، وذهبت لغرفتها تلملم شتات روحها، وتضع أغراضها في حقيبة، وذهبت إلى غرفة نوم الأبناء توقظهم بحجة أنهم سيمكثوا فترة ببيت جدتهم؛ لظروف سفر

 طارئة على والدهم، وتركوا المنزل في هدوء، وتذكر حاتم تلك الأيام الخوالي التي جمعته بزوجته، وبكى لفراقهم، ولم ينم؛ حتى الصباح، وقد فتح الصور التي تجمعه بعائلته مغمغمًا اشتقت لكم.

أحلام تذكرت كل ذلك الذي مرت به، وأنها لازالت على حافة الهاوية، لم تحصل على فرصة وظيفة مناسبة على الرغم من أنها مؤهلة للقيام بمهام مدير، وقررت أن تعانق السماء بدعوات باكية تطلب من خالقها أن يغيثها، وفجأة، سمعت طرق على الباب، وراحت لتفتح لتجده باكيًا، يطلب منها أن تعفو عنه وتسامحه؛ فلقد انتقمت الأيام منه أشد انتقامًا، وأنه يريد أن يعوضها هي وأبنائه عن كل شيء قصر فيه، وقبل رأسها معلنًا لها أنها أعظم إمرأة صادفها في حياته، وقد تبدلت ملامح وجهها بابتسامة مشرقة، وبراقة رسمت عليه، ونادت على أبنائها: لقد عاد أباكم من سفرته الطويلة، واشتاق لأحضانكم.

بقلم :أسماءصلاح

إرسال تعليق

أحدث أقدم