«خراب داخلي»
لم أعد قادرًا على بناء نفسي، ولا الشطط لكل ما جعلني أشعر بالكلالة، أصبحت إنسان لا مرئي، لا يحفزني دافع لأن أطور من نفسي، أصابني الكرب والهم، بداخلي جمرات من النار تشتعل في كل دقيقة، لا تهدأ، ولا تخمد، يضيق صدري بها، ومع كل هذا لا أقوى على محو ذاكرتي منها، هي نعمتي ونقمتي، حياتي ما هي إلا مآسي.
وفي حديثٍ مع صديق لي كنت منهارًا كبيت أصابه زلزال ضربه بقوة شديدة، فتفتت حجارته، ولم يعد له معالم بناء.
أحمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أتيت إليكَ رفيقي لتدثر روحي التي أرهقت من الحيف، والقهر، فهل لي من وقتك القليل لأتفوه بما يجذم نياط فؤادي؟
يس: لك سأصغي، وباهتمام صديقي، أخبرني عن كل ما يوجعك لعلني أكون سببًا في شعورك بالإرتياح ولو بقدر ضئيل.
أحمد: لمَ فَعَلت بي هكذا وقد صدقت عهدي لنهاية العمر أن أظل أعمل على إسعادها، ولا تنتقص حياتها من شيء، وأن أقتنص الفرص لعمل مفاجآت تزيد من رضائها وحبورها، لكنها قابلت ذلك بالجحود؟
يس: يا صاحبي كل إناء ينضح بما فيه، كانت شيمتها الطمع، والجشع، ولم تكن في يوم من الأيام ممتنة لك لما انتشلتها من حياة الكرب، والهم مع زوج أمها، الذي كان يسيء معاملتها، كان كل شيء يتضح لك لكنك أغمضت أعينك عن الحق، لأنك كنت كالمغشي عليه.
أحمد: لقد آثرتها على نفسي، وحتى عندما علمت بأن لديها مشكلة كبيرة في الإنجاب، صار حناني عليها أضعاف، وقولت في نفسي ليس ذنبها، تستحق الشفقة والرحمة، وارتميت بثنايا أحضانها، أخبرها بأنها ابنتي وزوجتي وحبيبتي، وأنني أنظم رحلة ترفيهية لنا، حتى أهلي لم اجد منهم دعمًا وطلبوا مني أن أطلق سراح زواجي منها، لأن ليس لي ذنب، وقد رفضت اقتراحهم، وهل بعد ذلك أرى امتنانها لحرصي الشديد على أن يستمر زواجنا في وفاق، وحب، لا ما وجدت منها إلا كل بغيض، وقامت بالإستيلاء على شركتي وأموالي.
قالها بحزن مضني.
بس: واستسلمت أنت، وتزوجت هي من غيرك بعد إرغامك على طلاقها، وانزويت بعيدًا عن جميع رفاقك، وعدت إلى بيت أبيك وأمك، وتركت كل فرص العمل التي أتيحت لك، وغدت حالتك النفسية والاجتماعية لا يرثى لها، لا يا صاحبي لم أعهدك مهزومًا وضعيفًا، اعتدت أن تقوى، حتى حالك مع الله، أصبحت حطام لأجل إنسانة مستهترة، لم تصون عشرتك، وأهملتك، وبدت الأموال والعمل لها هو أغلى ما تملك، ونسيت أن هناك من جعلها ملكة على عرش قلبه وعاهدها يصون تلك المشاعر، وخانت وهان عليها من أغلق ثنايا أيسره عليها.
أحمد: كانت رقيقة وناعمة، صوتها همس، احتلت مدن قلبي منذ أن رأيتها لأول وهلة، لا أعلم متى تبدلت، وغدت وحش كاسر، يتحدث بالأموال، وبالتهديد.. قاطعه يس قائلًا: أنت الذي صنعت كل هذه الإنجازات وتستطيع عمل غيرها، حاول مرة أخرى، وأنا بجانبك، لتستفيق يا صديقي من وهم حبها، هي ما أهمها سوى شركتك، ورصيدك البنكي، وحينما أتى الوقت المناسب انقضت على فريستها كالذئب للاستيلاء على أموالك وممتلكاتك، ولكن الله يعلم بنواياها، ولابد أن يأتي يومًا ترد فيه مظالمك، وحقوقك، وسيجازيها الله جراء ما فعلت، لم يفوتك شيء، أنت من يخطط ويعمل، وينجز، واسأل الله أن يعينك، وجاهد حتى تصل إلى مبتغاك.
وانتهت محادثتي مع صديقي وأنا أشعر بارتياح شديد بعد ما كنت على شفا التفكير في الإنتحار، كابدت وعانيت الكثير، لكني سأهزم هذا الأول، وسأبدأ من جديد، وعلى الفور ذهبت لزيارة القرية التي عاش فيها أبي وأمي حينما تذكرت أن بها إرثًا منذ سنوات، وقمت ببيعه، وبمساعدة رفاقي قاموا ببعض الدعاية والإعلان لعملي الجديد، وقد أصبحت ناجحًا فيه، واشتهرت شركتي أكثر من ذي قبل، أما هي فالدائرة تدور، وسيجني كل إنسان زريعته، ويحصدها شرًا ينقلب على دنيته التي اغتر بها في يوم من الأيام.
بقلم/ أسماء صلاح