«أصيبت باللعنة»
كغيم سرمدي أضفى على عالمها، غدت غير قادرة على الرؤية الواضحة، عسير عليها أن تستجمع قدراتها على المسير، يتوارى الجميع وراء خبث نواياهم، أن تصدق بشرًا أصبح هذا من المستحيل لديها لفرط ما عانت وكابدت، تبحث عن بقعة ضوء ولا تجدها، تحاور نفسها، لماذا أنا؟
وماذا جنيت؟
تجيب بسخرية: جنيت ثمارًا عفنة من فرط محبتي، يتخلل قلبها كمدًا يكاد يفتت أجزاء بدنها، لمَ يحدث لها، تعود لتستسلم لتلك التي أدمنت ديجور غرفتها، تتجنب محادثة من حولها، حتى ملامحها اختفت الابتسامة منها وللأبد.
هنا لم تحظى بنصيب من اسمها، أو بالأحرى كانت حبورها بصحبة والديها قبل أن يحتضنهم الثرى، وبعدها يحتضنها الشوك، أصبحت حطام أنثى، فقد آثرها الشجن، ولم تذق طعم السعادة منذ أن اختطف والديها الثكل، فقدت كل معنى للأمل.
هنا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك مريم؟
مريم: بخير والحمد لله، ماذا عنك؟
هنا: أشعر أني أتلاشى، أصبحت إنسان لا يملك شعورًا، يمر اليوم وكأن جبلًا ينقض على صدري، يجعل أنفاسي تضيق، قالتها هنا وقد أجهشت بالبكاء بانتحاب.
مريم: اهدأي رفيقتي فالله سبحانه وتعالى مقتدرًا أن يتبدل حالك، ويذهب غيمة الحزن عن فؤادك المكلوم، ويبدد هذا الظلام للنور، ويعوضك الخير.
هنا: كأني أصبت باللعنة في كل مناحي الحياة، بعد أن غادرني أبواي إلى مثواهم الأخير، لم أجد أعسانًا لحنو القلب ونقائه من أحد ممن حولي، وأولهم المقربين، أو من ظننت أنهم سيكونوا لي السند والأمان، الوتد الذي أتكأ عليه ولا يميل، مثلما كان نبينا موسى وأخيه هارون عليهما السلام يشدون عضد بعضهما البعض.
مريم: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، تذكري رفيقتي" لَعَلَّ اللهَّ يُحْدثُ بَعدَّ ذَلَّكَ أمْرً"
كانت مريم تحاول جاهدة أن تضمد جراح صديقتها بكلمات الله المشرحة للصدر.
هنا: كل يوم أنادي يا الله، تعلم حاجتي فأتني بها، أناجيه بدموع العين، وكل دعائي يجعلني قريرة العين، حينما يروي الله ظمأ حياتي، ويمن علي بأن أبتعد عما يبدد النور في قلبي.
مريم: تحكي ما تعانين منه، وأنصت لك كيف بأخٍ يقسو هكذا، لمجرد أنه يشوب فكره أنك ستكونين منفلتة، إذا لم يعنفك، من أجزم بذلك؟
هنا: تربى أن يأخذ ما يحلو له، لم يتربى على الحرمان، وإن أخطأ في شيء فالمسامحة من قبلهم هي السبيل الوحيد، والعطاء ليس من سمات شخصيته، حينما تسنح لي الفرصة في التصدق لأي شخص متعسر في قضاء حوائجه ولو بالقليل يصفني بالسذاجة، والغباء، وأنا لا أنسى في عمري مقولة" ما نقص مال من صدقة" ورأيتها يا مريم حينما أتصدق يأتيني الله بأضعاف ما تصدقت كما أنني أسعد بذلك، حتى العمل حتى تتحسن حياتي يمنعني منه، ومحظور أن أرى صديقاتي، أو أذهب لزيارتهن، كمكبولة بقيد حديدي في يداي وأرجلي، حتى السجين يفكون قيوده ليتنفس، ويأكل ويشرب، ويتريض، ويرى مكانًا غير جدران سجنه، أما أنا فحالي أسوأ.
مريم: وضعك كارثي، فقد كنت في الزمن السابق قبل وفاة والديك سندًا وأمانًا لهما، والآن على عاتقك مسئولية من؟
هنا: والأدهى من ذلك أنه يريد أن يتزوج هنا، وماذا عن تلك التي ستأتي؟
يوقظني بمنتهى الوقاحة وبأقذر الكلمات لأقضي له حوائجه، أي ظلم هذا؟
ويقول: ولت أيام أمك وأبيك أنت في قبضتي، وقد هجر الكرى أجفاني من كثرة ما يدور برأسي، ومن فرط ما دمعت عيناي بمجرد أن أضع رأسي على وسادتي؛ فهي شاهدة على مآساتي.
مريم: اتركي له المنزل واذهبي لأي بيت من بيوت أقاربك، نعم سينتهي عمرك وأنت معه، فري من ديجور الحياة معه، أو إن وجدت رجلًا حنونًا يبحث عن ونس للحياة فلتسرعي بالزواج منه، وتنفلتي من هذه الحياة القاسية.
هنا آاااااااه يا صديقتي وهل تضمنين لي حياة مختلفة وهنيئة ليست كالتي أحياها الآن، وأين سيجدني ذلك الرجل وأنا لا أمكث خارج المنزل إلا لقضاء احتياجات البيت؟
مريم : اتركي هذا الأمر لي رفيقتي، إذا وجدت رجلًا بمعنى الكلمة، لن أتردد لحظة أن أحدثه عنك، أرجو من الله أن يمن عليك بزوج صالح، يراعي الله في معاملته لك.
هنا : أنت من يهون الكون بأكمله في عيني، وكيف أشقى بصحبتك؟
مريم: أزاح الله الغمة، وأرسل لك غيمة فرح أختي.
هنا: رزقك الله خير وسعادة وهناء بحجم السماء.
أنهت هنا حديثها مع رفيقتها، وذهبت لتنهي مهامها المنزلية في هدوء، وخلدت لنوم هاديء في غياب أخيها عن المنزل، وحينما وصل كعادته السيئة، طرق باب غرفتها مرة واحدة، ودخل ليوقظها بطريقة بشعة، لتحضير الطعام له، وبالفعل حضرت له الطعام، وذهبت لغرفتها ببعض الطعام باكية لتناول طعامها بمفردها، فهي تتجنب التعامل معه، ولا تستطيع أن تجلس معه على طاولة واحدة، وأنهى طعامه وهي لازالت لم تنته، وفي أسلوب وقح طلب منها أن تصنع حلوى ومشروب الشاي له، وقاطعه طرق الباب، وفي وقاحة: هل طلبت شيء من السوبر ماركت، أجابت وهي تشيح بوجهها عنه: لا، وذهب ليرى أقاربه قد أتوا لزيارتهم، وأشار إليها في عنف وتعالي بأن تصنع ضيافة مشرفة لأقاربهم، وقد لفت أنظارهم أسلوبه السيء معها، وعنفوه وارتدى ملابسه بحجة أنه سيجلب بعض الأشياء وجذبها في عنف ودخل بها الغرفة لأخذ بعض المال منها لأنه لا يعمل، وقد أعطته ما طلب وهي تزيح يديه عنها.
خرج من المنزل وهي راحت لضيافة أقاربهم، في صمت تام، لكنهم لم يصمتوا وقد تحدثت إليهم عما يفعله معها من معاملة سيئة، ومهانة، لكنهم لم يرضيهم هذا الوضع وطلبوا منها أن ترحل معهم، لكنها أفصحت عما في رأسه بأنه هددها أنها لن تأخذ شيئًا معها لو غادرت البيت، وهذا جعل ملامحهم يتحول لونها إلى الأحمر من فرط عصبيتهم بذلك الرد، وطلبوا منها أن تحزم أمتعتها جميعها وتذهب معهم لحين أن يرزقها الله الزوج الصالح، وعاد، رآهم يحزمون أمتعتها وشوارها، وقالوا له لن نقبل بمهانة أختنا بعد اليوم، ستظل معنا لحين أن تتزوج، وكان يغمغم بكلمات غير مفهومة، وقال لهم: تصحبها اللعنة أينما تذهب.
ومكثت برفقة أقاربها لحين أتاها العوض الجميل، وأخبروا أخاها بالأمر لكنه أفصح أن الأمر كله لا يعنيه في شيء، وأردف: قوموا أنتم بتزويجها، وبالفعل بدأت في تجهيز الباقي من احتياجاتها، ولم تنسى هنا صديقتها الوفية مريم وكانت دائمة الإطمئنان عليها وعلى أسرتها، ومنذ أن تمت خطبة هنا كانت السعادة قد طرقت بابها مرة أخرى، وقد هاتفت صديقتها مريم قبيل زفافها بمدة كافية لتسعد مع صديقتها بشراء كل لوازم الفرح.
هنا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك وحال أسرتك الجميلة صديقتي الجميلة، العقبى لأختك، وأبنائك، لقد حددوا موعد زفافي، اشتقت لك كثيرًا.
مريم: غبطت رفيقة عمرها بهذا الخبر السعيد مهنأة لها قائلة: أتم الله عليك فرحتك وجعله لك زوجًا وأنيسًا ومحبًا، لا يكن لك سوى المودة والرحمة والحب السرمدي.
هنا: انتظرت تلك اللحظة لتشاركي أختك أسعد لحظات حياتها، هيا فلدينا الكثير لشراءه، وحددت موعد لمقابلة رفيقتها.
وذهبتا الصديقتين برفقة بعضهما، وكانت مريم تجول بحب مع هنا لشراء كل ما يلزمها، وتتفق مع مركز تجميل، ودمعت عينيهما حينما كانت هنا تعمل بروڤة فستان زفافها، وذكرتها مريم: ألم أقل لك أن لكل حزن نهاية، وأن الله سيرزقك غيمة فرح، كانت تبكي هنا قريرة العين وتقول: الحمد لله الذي أذهب الحزن عن القلوب، وأرسل لنا عوضًا جميلًا.
بقلم/ أسماء صلاح