نقمة أن تعتاد على شيء يدمر صحتك، ولا يأتيك من هذه العادة إلا المصائب، وكل ما يكمن في معنى الشر، بئس اعتياد التدخين بكل أنواعه والمسكرات فإنها لا تودي بك إلا إلى الهلاك، كما أنها تمحي البركة من البيوت.
مازن: كيف حالك صديقي؟
ثائر: الحمد لله ولكني أشعر بتدهور في صحتي، ورزقي يتضائل، ولا أعلم ما السبب؟
مازن: تحدثت إليك يا صاحبي، لكنك لا تستمع إلي، وكأنك تستغشى ثيابك على أذنك، وكلما هممت بمناقشة الأمر معك، أدرت لي ظهرك وتركتني، وسرت في ذلك الطريق الموحش.
ثائر: اعتدت عليها، ولم أجد السبيل والإرادة إلى الآن لأن أترك ما أنا فيه.
مازن: ولكنك تعاني منها.
ثائر: يهيمن علي الضعف من تركها، رد صديقه: وماذا عن إدمانك للأشياء الأخرى؟
أستميحك عذرًا أن تستمع إلي وتنصت باهتمام بالغ لما سأقوله لك، وفكر قليلًا ومن ثم أجبني.
ثائر: هات ما عندك أخي.
مازن: لتلك التي أدمنت تدخينها كل يوم أضرار جسيمة، أولها أنك بذلك ستؤذي عائلتك الصغيرة، استفيق يا صديقي العزيز من تلك الغيبوبة، وأنظر إلى أرض الواقع، المخدرات نهايتها الموت أو الجنون، وماذا عن عائلتك؟
أيكون مصيرهم بعد العزة والكرامة أن يشردوا في الشوارع، أن تهدر كرامتهم بسببك أنت، إثر استهتارك بحياتك وحياتهم؟
أدخر مبلغًا من المال لست في حاجة له الآن، وعملي يسري في مساره الصحيح، ورزقي واسع والحمد لله، وعلى معرفة بمصحة نفسية لعلاج الإدمان والإقلاع عن التدخين بشكل نهائي.....
قاطعه ثائر: لا ليس عندي من المال لأسدد لك، اتركني لنهايتي المحتومة قالها بيأسٍ شديد.
ولكن فجأة ثار مازن وكأنه بركان انفجر في أقل من دقيقة وأردف: أنت من جعل البركة في حياته تفل، من ترك الشيطان يقيدك وينتصر عليك، ماذا كنت تتوقع أن يصير؟
الدخان المتصاعد من التدخين والمخدرات يذهب الخير والسعادة من البيوت، ذكرني متى آخر مرة صليت التهجد وتوجهت لصلاة الفجر في المسجد؟
نكس ثائر رأسه خجلًا من صديقه، مغمغمًا: لا أتذكر.
وأردف مازن: متى آخر مرة قمت بفتح مصحفك، أم من فرط هجرانك له استباح الغبار كل شبر فيه؟
مازن: ثائر، لم يكن في مخيلتي أن أقسو عليك بكلمات تحزنك، لكني أردت أن أخطط معك لتتبدل حياتك كلها للأفضل، أهملت عملك من السهر بتلك الليالي السوداء، هيمن اليأس عليك، عد لربك مهرولًا، خذ نية إصلاح نفسك ليرضى وسيعينك، إنه الله إن يتب عبده يتغمده بواسع رحمته، ويقبله حتى وإن عصاه آلاف المرات، لا يمل من أن يتوب علينا حتى يتملك فؤادنا الإحباط واليأس، فلتهزم شيطانك الذي كبلك.
ثائر : بلهجة حماسية أثارت إعجاب صديقه: سأغلبه وأنتصر عليه، مردفًا: عائد أنا يا الله فاقبلني حتى وإن كنت لا أستحق.
في مصحة الدكتور عوني شهاب قام بإيداع صديقه وقام بتوصية صديقه الطبيب المعالج، وبالفعل تجاذب الطبيب معه أطراف الحديث، للإتفاق على بروتوكول العلاج النفسي، وكان طبيبه شابًا مهذبًا جدًا طلب منه أن يتعاهد بأن لا يخفى عليه شيء، وأن يعتبره بمثابة الأخ منذ هذه اللحظة، ودخل غرفته التي كانت مجهزة بأحدث التقنيات الحديثة، وكان يتابع الطبيب مريضه من خلال شاشة مراقبة لحمايته.
ثائر: أود لو أموت ولا ينتابني ذلك الألم الرهيب الذي يكاد يفتت ترائبي.
الطبيب المعالج: تحمل، تجلد، أدعو الله أن يثبت خطاك في الشطط لتلك المرحلة.
وعاني ثائر كثيرًا حتى تحسنت حالته، وكان يمارس الرياضة كل يوم، وأتت لحظة عودته لوالديه، وأسرته الصغيرة، وبالفعل استعد لمغادرة المشفى بعد أن تخلص من كل أثر للتدخين أو المخدرات.
الطبيب: فخور بما وصلت إليه، وعدت سالمًا ولله الحمد، ولقد عاهدتني أن تظل متشبثًا بذلك التغيير، ولا تنسى أخيك في الله، وأنك ستودني، والمسلم يوفى بوعده، وتعانقا في حب، وقد أصر طبيبه أن يتوجه معه إلى الحافلة التي ستقله إلى بيته ليودعه.
في منزل ثائر كان قد قام باتصال هاتفي مع زوجته كي يتأهب الصغار للقاء والدهم الذي كان مغادرًا لأوروبا لإنجاز بعض الأعمال، وقد كان هذا طلب من والدهم، وقد أحضر بعض الهدايا والألعاب.
ثائر: سار الدمع من عيني ثائر يجري أنهارًا من فرط افتقاده لأطفاله وزوجته التي عانقها متمتمًا، أرجو أن تسامحيني، واحتضن أطفاله أباكم افتقدكم كثيرًا، ويريد أن يعوضكم غيابه، في فرحة عمت البيت كله، وذهب ثائر ليتوضأ ويصلي ركعتين يثني فيهما على الله سبحانه وتعالى أن أخرجه من ضائقته قائلًا: قبلتني بعدما استعنت بقدراتي التي أنعمت علي بها على معصيتك، ورضيت أن يكون الشيطان وليًا لي، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
بقلم/ أسماء صلاح" قلب مزهر"