قصة بعنوان"قسوة أم وجفاء أب"

 أنا سارة لدي من العمر ثمانية عشر عامًا،



كنت بنوته مدللة جدًا في صغري، على حسب إعتقاد أخوتي، لأن جميع طلباتي مجابه، فأنا البنت الصغرى في العائلة، عائلتي تتكون من أمي وأبي أربعة من الأخوة، كانت تمر السنوات وأنا كالأميرة المدللة،. ولكن سرعان ما اختفت هذه الايام، وظهرت أيام عصيبة لا تختفي قسوتها من حياتي، ولكن الحق يقال فأنا منذ صغري أشعر بشعور غريب، أن أمي وأبي بعيدان عني، رغم قربهم مني، أشعر بأن بينا جسور، لم يفهموا مشاعري، أو ماذا أريد أو بما احلم، وبرغم بأنهم لم يحرموني من شيء، ويفعلون الكثير لأجلي، إلا إنهم دائمًا يسيئوا الظن بي، وهذا ما جعل نفسيًتي محطمة، مررت بالكثير من المواقف التي تؤكد هذا الشعور؛ فمثلًا وأنا في الثامنة من عمري، في يوم وأنا ألعب مع أخي محسن بالكرة في الشارع، واصطدمت الكورة في الشباك فكسرته، خرجت أمي لنا، مرتفع صوتها عليَّ وضربتني بشدة، وسبتني أنا أكثر من أخي، وقتها شعرت بالاختناق من أمي ، ولم أعد أحبها كثيرًا، وثقتي بحبها لي انكسر،فكيف لها أن تفضل أخي علي، وتظن بي دون السؤال من فعل ذالك، وظللت أبكي لأيام، وهى لا تشعر بي، (وسألت نفسي لمذا تفضل إخوتي علي، لماذا عندما يخطئون توبخني أنا أكثر منهم رغم إني أصغرهم)، وهُناك مواقف آخرى، اذكر منها حين كنت في المدرسة الإعدادية حينها وكان جسدي صغير جدًا مقارنة بأصدقائي ، فكانوا يتنمرون على شكلي وجسدي في المدرسة، فرجعت أبكي لأمي بكاءٍ شديدٍ، وكنت أنتظر منها طمأنتها ليّ، وحنانها، وبعض الكلمات التي تواسيني، وإذ بي اتفاجأ بالضرب المنهال علي، يا أمي أنا هُنا المجني عليه، ليس أنا الجاني، ظللت أبكي بحرقة وبشدة الألم المكنون في صدري، لأيام، بل اذكر طعم الخذلان لا يفارقني لسنوات، فكيف لأمي ان توبخني على تنمر أصدقائي، كيف لم ترَ دموع قلبي، ولم تشعر بي، وظلت أمي أسبوعًا كاملًا توبخني بالألفاظ، كلما رأت وجهي، (كولي ياللي أصحابك بيتريقوا عليكي)، هي جملة بسيطة وسهلة من وجهة نظرها، ولكنها كانت كالعاصفة داخلي، تقتلني ببطء، أما أبي كان دائمًا مشغول بالعمل، وحين الرجوع إلي المنزل، تخبره أمي بما صنعت، من وجهة نظرها، فيناديني أبي دون أن يسمع مني، ويوبخني، ويحرمني المصروف، وفي يوم من الأيام وأنا في الثانوية، كنت في الصف الثاني من الثانوي، تأخرت في المدرسة، فأنهال أخي عليَّ بالضرب، وقام بأهانتي في الشارع، فهربت منه إلى أبي في عمله، وبحثت عنه كثيرًا وأنا أبكي، وارتجف خوفًا من أن يلحق بي أخي أو أمي، كنت أريد أمان أبي، وأن يقف معي في وجه أخي، فسألت شخص ما عن مكانه، فأخبرني أنه في الاعلى، وظللت أبكي حتى وصلت إليه، ناديته بصوت مختنق من أثر البكاء "أبي" وأسرعت أختبئ في أحضانه، وأخبرته أن أخي ضربني وأنهال عليا بالشتم والسُباب فالشارع، فلم أتحمل وجئتك لاجئة لأحضانك وحنانك فأحمني، فلم يكن من أبي سوا، (أنت جيت هنا ازاي، وأمك عارفة والا لأ، وعملتي ايه تاني) صدمني بكلامه، فقلت له: أبي أريدك، أريد أمانك أحمني، أخذني أبي من يدي وهو يردد، عودي إلى المنزل يا سارة، أبي أنا محتاجلك، أنا تعبانة من معاملته أمي لي، لم يكن يسمعني ولم يشعر بي، حتى عُدنا ودخلنا المنزل، وتركني لكلمات أمي القاسية، وسُباب أخي، أدركت حينها إني في وادٍ، وأهلي في وادٍ أخر، يبتعدوا عني كل البعُد، كانت محطمة تمامًا بعد هذه الواقعة، اعتزلت بنفسي ولم أخالطهم، ظللت صامتة، لا أتحدث معهم، أراى أبي ولا أجري لأحتضانة مثل بقية أخواتي الكبار، أنا الصغيرة سنًا لكن أكبرهم خذلًا ووجعًا، وقلبي كقلب العجوز الكهل الذي رأى مصائب الدهر، لم أدري لما يتم معاملتي هكذا، فيما أخطأت ، حقًا أنا لا أستحق أن أُعامل هكذا، وظلت هذه الأسئلة تتردد داخلي كثيرًا، وتأكل كل ذرة أمل من الداخل، حتى صغر حجمي ونحلا جسدي، وأُصبت بالصداع الدائم، ولم تعد لي شهية للطعام، فكنت أكل بضع اللقيمات التي تُبقيني على قيد الحياة، كانت تمر الايام ما بين الصمت والحيرة، وكنت انجح في دراستي فلا أفرح، وكأن شيئ لم يكن، أطوي الصفحة وانظر ماذا أفعل لكي أسعد نفسي بنفسي،  

كنت أشتقاق لأمي كثيرًا ودلالها؛ ولكن كانت تهتم بطلبات المنزل وأخواتي، لم أُخبر أمي يومًا بما أشعر، فهي لم تعد صديقتي، وكذالك أبي فهو لم يعد أماني، وفي يوم كانت تجلس أمي مع جارتها أمام المنزل، وإذا بجارتنا، تقول لأمي (هى سارة خست كدا لية)وهنا تنظر أمي بدهشة، وتتسأل كيف لم تلاحظ تغير ملامحي، وفقدان وزني وبهتان لوني، فأخذتني أمي إلى الطبيب

 وسألته(خير يادكتور طمني)،

 الدكتور (خير يا حاجة، أعملي التحاليل والفحوصات دي، وهنعرف القصة وما فيها؟!)

،وبعد قمت بالفحوصات ذهبنا الى الطبيب وقمنا بأعطائه الفحوصات والتحاليل، وحين أعطته أمي ونظر فيها، تغير وجه الطبيب، وقال بتلعثم:(ابنتك تعاني من أنيميا حادة، ونقص الحديد في الجسم عن النسبة المطلوبة، ولازم دم بأسرع وقت وعلاج مكثف)،

 تعجبت أمي كيف لي ان أتحمل كل هذا ؟!، لم اشتكي يومًا ألمًا، وقاطع تفكيرها هذا، سُوال الطبيب:( هل تشعُرين بصداع دائم ، فأجبته: نعم يادكتور، فقال لي: وبماذا تشعري أيضًا؟ فاجبت:(أشعر بالأرق، وصداع، جسدي يُآلمني ، ودوار،و........)، وظللت أسرد له ما أشعر به، وأمي تبكي على ما أصابني، وهي تقول للطبيب: (دي عين وصابت بنتي)،

 وقلبي يصرخ من داخلي ويقول:( لا يا أمي لم يكن حسدًا أو عينًا أبدًا بل كانت كلماتك القاسية، وبعدك عني، وعدم أهتمامك لأمري، يوم تركتني لأخي يضربني ويُهين كرامتي بالشارع والمنزل، كان هذا الداء، رد فعل طبيعي لغياب حضن أبي لجسدي، وتركه يتآكل من الألم، تركتني أسأل لما أنا بعيده كل هذا البعد عنكم؟! وأنتم لم تكونوا بالقرب الكافي مني، وها هي النتيجة تآكل جسدي من حرمان حبكما، وضعف وتدهور صحتي) بكى أبي حين أخبرته أمي، ولكن ماذا يفيد بكاءه الآن، فات الآوان، حدثته في داخلي:(كنت أُريد البكاء في أحضانك بين ضلوعك في كل مرة ألتجأت إليك فيها، كنت أريد نظرات الحب منك، وعطفك وحنانك، مثل بقية أخوتي، فلم أجد منك سوى القسوة، وغلق أبواب الود بيننا، فتركتني لأخوتي وأمي ،فلم تكونوا لي يومًا كما تمنيت، ومن الممكن لم أكن أنا كما تمنيتم). 

كل ما أريد قوله الآن أي عاطفة، أو حنان، يُنسيني كل ما مررت بِه، وما ينتظرني في المستقبل من آلام، لا يوجد فقد فات الآوان.

قصة قصيرة عن "قسوة أم وجفاء أب"


بقلم/أسماء_إبراهيم"هُنهَ"

إسلام إيهاب

أكتُب ما لا أبوح بِه؛ لطالما كان قَلمي خير جَليس. _ إسلام إيهاب

إرسال تعليق

أحدث أقدم