خاطرة بعنوان: العصر الحديث.

 التحضر، أوالتقدم هما وجهان لعملة واحدة وهي الاختصار!

نعم،الاختصار؛ فكل الآلات والمعدات الحديثة ما هي إلا أفكار قد تم تجسيدها على أرض الواقع بهدف اختصار الوقت والجهد.


الإنسان منذ أن خُلِق وهو يصنع الأشياء من أجل مساعدته، وتيسير العمل الشاق الملقى على عاتقه من أجل البقاء، وتطور هذا الفكر بتطور الزمن حتى صار يبحث بشتى الطُرُق عن سُبُلِ الراحة، ولكنه كائن مسكين" لا يعلم أنه لا راحة لنا في هذا العالم الدُونِّي"  وظل هكذا حتى صارت تحيط بنا الآلات من كل الجهات، لقد صار للآلات دورٌ أكبر مما تستحقه من أداء المهام المختلفة مثل الطهو، والتنظيف، والقيادة، والحماية، وتنظيم المهام وغيرها الكثير من الأمور المختلفة في شتّى المجالات، حتى وصل بنا الأمر أن يُستبدل إنسان بآلة!

فيما يعرف بالرجل الآليّ، كل هذا لماذا؟ هل لأجل بضع ساعات نوفرها للجلوس أمام الانترنت فترة أطول؟ أم لأجل توفير الوقت والجهد كما قلنا في البداية؟ 

لا يجوز أن يستبدل عقل إنسان مُفكِّر بعقل آلة هو من قام بصنعها، لقد صار كلُ شيء إلكتروني، وهذا لا ينذر بالخير، ولا يُشعِر بالراحة، صارت حياتنا مُختصرة في صورةٍ يتم نشرُها عبر الإنترنت، لم تعد لحياتنا أي قيمة تُذكر، وصار الروتين اليومي هو أكثر شيء ممل قد تتحدث عنه، لما لا نترك تلك الرسائل الّتي سئمنا من رنين هواتفنا بها، لما لا نترك الكاميرات الّتي تُفسد علينا متعتة الاستمتاع باللحظة؟ دعك من قول توثيق اللحظات السعيدة لنتذكرها فيما بعد، نتذكر ماذا؟ نتذكر تكدُسِنا أمام الكاميرة للتقاط صورة رائعة، أم نتذكر المشاجرات من فلان الذي أراد أن يتم التصوير في هذه الجهة، وعلان الذي أراد التصوير من هذه الزاوية؟

لنترك تلك الترهات، ونستمتع بكل اللحظات التي نمر بها، فكل لحظة لن تأتي مرة أخرى، لنترك ألالات، والإنترنت، والشبكات بعضًا من الوقت، نحن دائمًا ما نحتاج أن نبتعد عن هذه الضوضاء قليلًا، بكوب من مشروبنا المفضل، وبعضًا من الكتب التي تستهوينا، على شاطيء بحر، أو في حديقة خضراء واسعة تنسينا كل تلك الألوان المضيئة، والوجوه التعبيرية الكثيرة، وكل ماهو يرن أو يهتز. 

من المفاهيم الأخرى للتحضر "السرعة" فالجميع يتحدث ويقول أن هذا العصر المتطور عصر السرعة والإنترنت، نعم حقًا هذا هو عصر السرعة، ولكن ليس لنا، بل لتلك الآلات المتعددة، هي من تسير بسرعة، وتنجز المهام بوقت قليل، وتختصر الوقت بسرعة، ونحن أين؟ نحن واقفون أمامها أو بداخلها دون حراك، عصر التطور والسرعة هذا سينتج عصرًا في منتهى الغباء والتأخر؛ فكل تلك الآلات لم تترك مجالًا ليعيش الإنسان حياة طبيعية؛ يستثمر بها وقته في إعمال العقل، وتقديم ما يفيد كما كان من قبل، بل أصبح هذا الجيل لا يعلم سوى الإنترنت، و البيتزا ! ويكوّن هذا شخصية كسولة لا هدف لها، أو تبني أهدافها بأحلام واهية، ينتظرون معجزةً تحققها لهم دون عمل أو مثابرة، هكذا صارت الحياة، مختصرة في صورة يتم نشرها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لا تعلم ما خلفها من كواليس.


بقلم: جهاد هاني« غريق الحبر»

إسلام إيهاب

أكتُب ما لا أبوح بِه؛ لطالما كان قَلمي خير جَليس. _ إسلام إيهاب

إرسال تعليق

أحدث أقدم