كل فتاة تتدلل في بيت والدها، حتى يأتي من يطلبها للزواج فتتبدل في اهتماماتها، وتغدو تتبارى مع تلك الفتاة المدللة فتقوم بهزيمتها، وتنتصر تلك التي ستصير ملكة على عرش قلب زوجها، وتغدق أبنائها في المستقبل بكل الحب والرعاية؛ ولذلك تبدأ في الإهتمام بشئون المنزل حتى تؤهل نفسها لتكون زوجة صالحة وأمًا حنونة.
أدعى مي تقدم للزواج مني زميلي في الجامعة، وقد تعرفت عليه في السنة الأخيرة، وبعد اجتيازه لمرحلة الجيش، وسوق العمل، وإعداد بيت ليكون مسكن للزوجية، صرح لي أنه له رغبة شديدة في إكمال نصف دينه معي، وكنت أراه شابًا دمث الخلق، طموح جدًا، ولم أجد فيه عيب واحد سوى أمه!
حاتم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حال أجمل فتاة رأتها عيني؟
مي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أصبحت أجمل وأروع منذ أن أحببتني أنت، قالتها بخجل ونبرة صوت رقيقة وناعمة.
حاتم: أما آن الأوان لأن يجمعنا بيت واحد، وتلك الوجنتين لا تحمر خجلًا من فيض المشاعر؟
أيعقل أن نكون زوجين، وتتردين في قول: أحبك!
الإجابة: لا يعقل، إذًا فلنفعلها دون تردد، ودون المكوث طويلًا في التفكير.
مي: فلنتروى قليلًا ليس هناك داعي لأن نمضي سريعًا في أخذ قرار مصيري كهذا، إهدأ فلا أعلم هل
سترضى بي عائلتك، وسأنال إعجابهم أم لا!
وقاطعها حاتم قائلًا: لا يهمني من سيرضى، ولكني واثقًا أنهم يريدون سعادتي، تعلمين حبيبتي أنني مقتنع بك، ووالدي انتقل إلى رحمة الله، ليس لي إلا أخت واحدة، وأخ توأم، وأمي، هي سيدة حسناء وجميلة، وليست كباقي الحموات هي تتمتع بالرفاهية والدلال، وقطعًا ستعاملك بنفس الدلال.
مي: سأعطيك رقم هاتف والدي ولتحديد موعد معه للقاء الأسرتين.
حاتم: في فرحة عارمة قال لها: فلتسرعي، ولتعلمين أني سأحدد ميعادًا للزفاف، ونكتفي بعمل يوم قراءة الفاتحة فقط.
مي: بعد أن أعطته رقم هاتف والدها، في انتظاركم، وسيغدو بيتنا مضيئًا بتلك الزيارة العطرة.
حاتم: أحلم بتلك اليوم الذي سيأذن الله بأن يجمعنا في بيت واحد يحيطه الحب والأمان.
مي: لأن يأذن الله لنا بذلك.
أغلقت الهاتف مع حاتم وعانقت والدتها في حبور، وتراقصت معها في فرحة عمت المنزل وهي تردد: أدخلي عمري بخطوتك اليمين، أضوي أيامي من عتمات السنين... في مقاطعة والدتها لها في حب: لؤلؤتي الثمينة التي لا تقدر بأموال الكون لست مثلك شابة، ماذا يغبطك هكذا فلتعترفين في عجالة.
مي: توقفت مي عن الرقص، وقالت وهي تزداد عينيها لمعان، ومدمعة من الفرح، ستكونين أم العروس عما قريب، وحماة أجمل رجل في عين ابنتك، وتثب كطفل رأى لعبته المفضلة لديه وحلوى كثيرة.
والدة مي: كان لديها علم بأن هناك من يحترم ابنتها، وينتظر أن يحين الوقت المناسب لطلب يدها، في سعادة قالت: حاتم حدثك بشأن خطوبتكما؟
مي: نعم يا أمي، استجاب الله طرقات دعائك له بأن يرزقني رجل صالح صادق الوعد، لم يتغير حتى بقلة محادثاتنا، وندرة اللقاء؛ بل كان يسعى بكل طاقاته ليظفر بي زوجة، وحبيبة، وصديقة ملكت قلبه دون سواها.
وراح حاتم يحدث والدته بشأن هذا الموضوع، لكنها أفصحت أنها لن تبدي موافقتها المبدئية على شيء إلا من بعد مقابلتها مع مي لتتأكد إن كانت تصلح له أم لا، لكنه رآها متعسفة جدًا في كلماتها مغمغم: وكيف ستلتقين بها خارج بيتها؟
حاتم: يا أمي أرجو منك أن تقدري مشاعري، هي ليست كباقي الفتيات اللاهيات، كانت زميلتي في الجامعة لفترة سنة، وكنت على تواصل معها حتى استقرت حياتي وعملي، واجتزت فترة الجيش وهي ترفض كل من يتقدم لخطبتها وانتظرتني طويلًا إن كانت غيرها كانت أصابها السأم، واختارت من هو مؤهل للزواج، لا أريد منك جعلها تشعر بالإحباط، وأنها كانت مخطئة حين قررت انتظاري.
في صمتٍ تام من والدته، وفي إنصات دام لأكثر من ساعة وهو يعدد خصال حبيبته الجميلة لأمه، ويثني على طيب أصلها، فجأة أجابته: إذن فلتتحدث مع والدها وتحدد موعدًا للقائها في أقرب وقت، فقط الآن اتركني لدي مناسبة صديقتي ولا أود أن أتأخر عنها، وإياكَ أن تقرر شيء دون العودة إلي، وداعًا ابني المحبوب.
قد هدأ بالًا من بعد حديث والدته، وأسرع في مهاتفة والد مي...
حاتم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك أستاذ عادل، أنا حاتم كنت زميلا لابنتك ويسرني أن أتي إلى منزلكم للتعرف إليكم أنا ووالدتي وأخواتي، وبعد أن تحدث إليه والد مي قليلًا وافق وقال: يسرنا يا بني على الرحب والسعة، نسعد برؤياكم، أنهى الحديث في عودة أخيه التوأم مالك، وبعد قليل أخته نغم قد عادت أيضًا من تمرين الاسكواش، وقد استقبلهم وكان يثب من فرحته مردفًا: ستكونا أخوات العريس عما قريب، يوم الخميس المقبل ستكون خطبتي على زميلة كانت بصحبتي في الجامعة فيما مضى، سيزف أخيكما إلى عروسه والعقبى لكما، وكان صدى فرحة أخواته قد ملأ جدران المنزل، وكان يضج بالزغاريد في بكاء مالك بقوله: وأخيرًا الفرحة ستعم بيتنا الصغير من بعد وفاة أبي الغالي، عانق حاتم أخواته في حنان مغمغمًا لا أحد يستطيع أن يفرقنا، أو ينزع الفرحة من قلوبنا أحبائي.
في منزل مي طرق والدها باب غرفتها، فقالت: نعم أبي الحبيب، رد عليها: افتقدتك ابنتي وحبيبتي فهل لي بجلسة لوقت قصير معك؟
أجابت في ود: وقد انتفضت من مكانها، وقامت بفتح غرفتها، بالتأكيد أبي وأنا أيضًا افتقدتك كثيرًا، وأجلست أباها ثم أردف: لقد استولى عملك عليك، وجعلنا مفتقرين تلك الجلسة الودودة التي اعتدنا عليها منذ زمن بعيد، وسيأتي فارس الأحلام ليأخذك على حصانه الأبيض كما في الروايات عما قريب.
مي: أزاحت وجهها عن أبيها في استحياء، وكان صوتها أشبه بالعكس مرددة: ماذا تقصد يا أبي بهذا القول؟ أنا لا أفهم ماذا تعني بتلك الكلمات؟
والد مي: نظر لها في خبث، أتودين إخباري بشيء ما؟
وهزت رأسها نافية وهي منكسة إياها خجلًا، ثم اتجه والدها إلى الباب وهم بفتحه قائلًا: إذًا فلأذهب لأخلد إلى النوم، واستوقفته قائلة: أهناك من حدثك بشأني؟
أجاب في خبث: بشأن ماذا؟
مي: يا أبي أتاك اتصال من زميل لي يدعى حاتم؟
عاد الأب واحتضن ابنته نعم أتى، لأول مرة تتحدثين كذبًا؟
مي: لا والله حاش لله، ما ربيتني على ذلك، ولم أعتاد الكذب في حديثي، إنه الخجل يا أبي، جعلني اتوارى من مشاعري، نعم يا أبي إنه زميل لي وتم تعارفنا في السنة الأخيرة من الجامعة، وقد انتظرته حتى أتم فترة التجنيد، وسعى لعمل مشروع خاص به، ولم يتكلم إلا بعد أن أعد البيت، وهو دمث الخلق، على قدر كبير من التدين، يكره التدخين، رياضي، والده متوفي، ويعيش برفقة أمه وأخواته.
والد مي: فلتستعد العروس للقاء أسرة خطيبها يوم الخميس المقبل بإذن الله، أتم الله أمورك على خير يا ابنتي.
عانقت والدها في حب وحنان وطبعت على وجنتيه ويده قبلة حنونة، ووالدها يبكي: سأشتاق إليك كثيرًا هو يريد أن يعجل بزواجكما، وربتت مي على كتف والدها لن أترككما يا أبي، ليس لي أعز منك أنت وأمي.
أغلقت الباب بعد رحيل والدها إلى غرفته، وأطفأت مصباح غرفتها، وأوقد التفكير والقلق مصابيحه، ماذا سترتدي؟ وكيف تستعد وليس لديها وقت كاف، لأن العمل كل يوم؟ ومن فرط التفكير أغلقت عينيها قبيل الفجر بساعتين تقريبًا في إرهاق تام.
طلت الشمس بأشعتها الذهبية الرائعة، وغردت الطيور، و استيقظت مي في إعياء تام مغمغمة: ياليت العمل يموت. تبًا ما أخذت ما يكفيني من الراحة، وفكرت مي أن تعتذر عن ذلك اليوم، وتستمر في نومها، إلا أن عادت لتتذكر أنها لابد لا تضيع أي من راتبها، فنفضت الغطاء عنها، وأشعلت المذياع على القرآن الكريم معلنة عدم استسلامها للكسل، وفتحت الباب و أخذت حمامًا باردًا لينعشها، وخرجت لتردد أذكارها، وتصلي وتستغفر، وارتدت ملابسها، وكانت قد تأهبت للخروج لعملها، وفتحت الباب وقد ألقت تحية الصباح على والديها، وقد تناولت طعامًا خفيفًا في عجالة، وقد اصطحبها والدها في طريقه إلى العمل.
كان يومًا لطيفًا على مي التي كانت تبتسم في وجه كل من تلتقي به من فرط سعادتها، وقبيل أن تنهي عملها، كانت تهمس لرفيقتها همس بأنها تريدها في أمر هام، فلا تتعجل وتذهب دونها.
وبعد إنتهاء فترة العمل، تناولت مشروب النسكافيه، ورحلت وقد هاتفت والديها بأنها ستتأخر قليلًا لأنها ستذهب لشراء مستلزمات العروس.
همس: ماذا تريدين؟ لقد تعبت كثيرا اليوم وأريد أن أرتاح... في مقاطعة مي: بل لابد وأن نذهب لشراء ما يلزم العروس، فلا تتركيني بمفردي.
همس: أي لوازم وأي عروس؟ عن ماذا تتحدثين؟
وشرحت لها مي بالتفصيل كل شيء، وارتادت الفتاتين الكثير من المحال التجارية المشهورة لشراء ملابس لصديقتها، وإكسسوارات، وقامت بشراء بعض المفارش الجديدة، والتحف، والفازات والورود، وتناولا مشروب الشيكولاتة البارد، والآيس كريم، وذهبتا الصديقتين كل واحدة إلى منزلها بعد إنتهاء هذا اليوم.
عادت مي متعبة من هذا اليوم، حتى والداها حاولا أن تتناول ولو وجبة عشاء خفيفة، لكنها رفضت لأنها بحاجة إلى نوم عميق، وبعدما استغرقت عدة ساعات في سباتها، وكانت قد صلت قبل أن تنام ودعت، واستغفرت كعادتها، رأت حاتم وقد أمسك بيده وردة وأهدى بها مي في رقة وظهرا يتأرجحا بأرجوحة مزينة بالورود جميلة ورقيقة لم تر شبيه لها، وجاءت والدة حاتم من بعيد ترتدي فستان أسود، وملامحها عابسة، ونادت على ابنها وطلبت منه شيئًا وترك مي بمفردها، فنظرت لها الأم بغضب وأخذت تلقي عليها بشوك وحاوطتها به حتى أصبحت لا تقوى على الحراك خشية أن تتأذى، ومي تستغيث وتصرخ لمَ؟ بماذا أسأت لك؟ واستفاقت من نومها وهي تصرخ، وتبكي وأنفاسها تكاد تنقطع، ودخلت أمها في هلع: محتضنة ابنتها ماذا أصابك يا حبة قلبي؟ ماذا رأيتِ؟ أكان جاثوم؟
لا تجيب بالرد وإنما تهز رأسها إيجابًا باكية، وأمها تتحدث إليها في حنان اطمئنِ، هو فقط منام مزعج ليس إلا، أنت بين ذراعي أمك، اهدأي وجلبت لها كأسًا صغيرة من الماء، وحينها كان موعد صلاة الفجر، ابتسمت الأم وقالت: أرأيتِ هذا هو الفرج، الله معك وسيحفظك يا ابنتي هيا لنصلي مع أبيك الفجر، وألقي بكل ما يزعجك خلف ظهرك.
وبعد أن صلوا الفجر جميعًا، كانت مي تبكي بحرقة وتقول: لا أريده يا أبي، لا أريده يا أمي، وصاح كل منهما من تقصدين؟ حاتم ؟
أجابت: نعم، لقد رأيت منامًا مزعجًا للغاية جعلني أتردد في قبول هذه الزيجة، توجه أباها إليها بالحديث: رسول الله صل الله عليه وسلم أقر بألا نتشائم، وإن رأينا كابوسًا نتفل عن اليسار ثلاث، ونستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن شر هذا المنام؛ فلا يمسنا سوء ولا أذى.
مي: فعلت ذلك يا أبي، وقد أديت الفريضة، وقرأت ما تيسر من كتاب الله قبيل أن أخلد إلى النوم.
الوالد: هل قام حاتم بأذيتك في الجاثوم؟
مي: كلا لم يفعل أبدًا لا في المنام ولا في أرض الواقع.
الوالد: لن أسألك مجددًا.
وأردف: ابنتي لنراهم في بداية ثم نقرر لاحقًا، والآن انهضي للاستعداد للذهاب إلى عملك، ولتكثري من الإستغفار والحوقلة، وأيضًا صلاة الاستخارة كل يوم، اومأت برأسها إيجابًا، واستعدت وتناولت وجبة الإفطار وذهبت إلى عملها، لكنها اليوم لم تكن سعيدة، أصبح القلق يسري إليها، ويلتهم سعادتها، وانتبهت همس قائلة: ماذا أصابك اليوم؟
ردت مي في تلعثم: لا شيء، لم أخذ كفايتي أثناء النوم وأعاني من صداع.
أدركت همس أن صديقتها تود أن تحتفظ بشيء ما يخصها، وصمتت، أنهوا العمل وقبل أن يتحدثا سويًا قاطعهم اتصال من حاتم لمي، لكنها لم تجيب، وتجاذبت أطراف الحديث مع همس قائلة: هل هناك علامات تشير إلى مدى نجاح مشروع أو خطوة نقدم عليها؟ وأجابت همس: هناك إشارات من الله يرسلها لنا وذلك يحدث لأنقياء القلوب.
أجابت مي: محقة بكل ما أفصحت به، أصبت.
ووصلت إلى البيت، لكنها كانت عابسة، حتى رفضت أن تتناول شيئًا، وانزوت في غرفتها، وصلت، ودعت يارب إن كان به تعاستي فاصرفه عني، وإن كان به سعادتي فقربني منه، وعجل لنا بالفرح.
ونامت وهذه المرة رأت أمه تجذبها من يدها وتلقي بها في حفرة عميقة، واستفاقت ولكن متجهمة لا تفهم شيئًا، واستعاذت بالله من الشيطان الرجيم و من شر المنام، وقامت بأن تتفل على يسارها ثلاثًا، وقررت أن تبحث عن تأويل المنام في القرآن والسنة على الانترنت، ولكنها صدمت لما رأت التفسير أن حماتها المستقبلية ستكون سببًا في مشكلات نفسية، واجتماعية لها، وبكت الفتاة لأنها ظنت أنه شاب ليس له مثيل في الكون، وأنها ستحيا معه حياة سعيدة، وحاولت أن تتخطى تلك المخاوف، وتسمع كلام والدها فيما حدثها به منذ الرؤية الأولى، وتستعد وتعد البيت هي ووالدتها لاستقبال الضيوف فلم يتبق سوى يومين فقط.
وأتي ذلك اليوم وبدت مي في فستان أنيق، وفضفاض لونه أخضر فهي تستبشر به، وارتدت حجاب طويل، ووضعت القليل من الميك آب، وأتي الشاب وأسرته، وقاما الوالدين بالترحيب بهم، وكانت نظرة والدة حاتم لمي غريبة؛ فقد رمقتها بنظرة غاضبة متعالية معبرة عن فرط غيرتها على ابنها ورحبت بها ببرود، أما عن نغم فقد كانت ودودة في حديثها مع عروس أخيها، وقالت لها: يحفني الحبور والغبطة بأنك ستكونين أختي الغالية وزوجة أخي أهلًا بك في عائلتنا، أما أخوه التوأم فأثنى على جمالها وبساطتها ورقتها وأدبها قائلًا: لقد اصطفى أخي أجمل وأرق الورود.
وقدم حاتم باقة ورد بهية لمي، وقد بدا حاتم في حلة سوداء أنيقة وقميصًا باللون الليلاه، وربطة عنق موڤ ورمادي، والتقطتها منه قائلة في رقة: الورد لا يهدي إلا الورد، أشكرك.
وقاموا بتقديم المشروبات والحلوى، والجاتوه الذي جلبه حاتم معه، وتجاذبوا أطراف الحديث بشأن التعارف، وبدت الأم متعسفة، وكأنها أرادت أن تتصنع المشاكل لإفساد تلك المقابلة، لكن حاتم وأخوته تدخلوا بلطف أنهم يريدون إنهاء مراسم قراءة الفاتحة، وعقد القران والزفاف في أسرع وقت، وحاولت مي كساب ثقة والدة حاتم، بقولها: أراك الأخت الصغرى لحاتم، كم أنت رقيقة وأنيقة، وردت الأم: محقة في كل حرف حبيبتي فلقد تزوجت من والد حاتم في سن صغيرة، وأنجبت حاتم ومالك في نفس العام، وكل من يراني لا يصدق أنهم أبنائي، وضحك الجميع، وتهللت أسارير حاتم ومي، وتمت قراءة الفاتحة، وفي اليوم التالي قررا أن لا يضيعا الوقت وأن يذهبا لشراء الشبكة، واختيار كل ركن في منزلهم المستقبلي.
وفي محل الذهب بدت مي مرتدية فستان وردي أنيق وبسيط، وحاتم قميصًا أبيض وبنطلون رمادي وظهرت أمه ببنطولًا ضيقًا، وبلوزة قصيرة كنارية اللون بها ورد أبيض كفتاة في عمر السادس عشر من عمرها!
وارتدى الوالدين ثيابًا بسيطة وأنيقة وراقية جدًا.
وكانا الخطيبين قد اتفقا على اختيار كل ما ينال إعجاب مي فحسب، وكانت تختار مي شبكة بسيطة وأنيقة وليست باهظة الثمن، لكنه لم يعجبه ذلك واختار لها أشياء أخرى بخلاف ما اختارته، وأمه تستشيط غضبًا، وفجأة خرجت عن صمتها قائلة: وأمك أتراها عجوز لا تستحق أن تهديها؟
أأنستك خطيبتك أمك؟
وقال لها بلطف: كيف ذلك يا أماه، أنت تاج رأسي، وكلي ملك يديك، واختار لها خاتمًا صغيرًا، لكنه بدى أنيق وجذاب بفص موڤ.
ارتبكت مي وعائلتها من تصرف حماة ابنتها، وأحست الأم بقلق نحو حياة مي القادمة.
وصاحت الأم في غضب: هل هذا هو مقام أمك؟
خاتم صغير تلقيه لأمك وتبخل عليها؟
أما يكون لي نصيب في طاقم ثمين من الذهب، وماذا عن أختك؟ أنسيتها هي الأخرى؟
وخجل حاتم من صراخ أمه في وجهه، وتحدث إلى والدته جانبًا يا أمي تعلمين أن تجهيز البيت يتكلف الكثير، اقبلي به الآن وأعدك بأن أجلب لك تصميم لك وحدك ولكن بعد إتمام لوازم البيت.
صاحت الأم في وجه ابنها مرددة: لااااااااااااااااااااا، لست ابني المحبوب، لن أرضى عنك، وردد مع ذاتك ماتت أمي، هذه هي البداية، وتركته وذهبت، وهو يقف صامتًا حزينًا، والجميع في دهشة مما يحدث، وقالت مي بلطف: حاتم اذهب خلفها، ولا تتركها غاضبة هكذا، ولم ينتظر وركض خلفها مناديًا: أمي، انتظري واهدأي تعلمين أن مكانتك في قلبي لا تضاهي مكانة العالم أجمع، ولا حتى خطيبتي، فلتأتي معي وتختاري ما يعجبك، وليتأجل كل شيء لأظفر برضاكِ عني، وعادت إلى محل الذهب، ونظرت لمي وأهلها نظرة انتصار، واختارت خاتم وسوار أغلى من شبكة خطيبة ابنها وأردفت: روح قلب ماما، متيمة أنا بهذا الخاتم وهذا السوار، وارتدتهم في يدها وأرادت لمي أن تغتاظ، لكن والدة مي هي التي كانت تستشيط غضبًا، وزاد قلقها، لأنها شعرت أن تلك الأم تحمل خبثًا في علاقتها بابنها وزوجته فيما بعد، لكن مي كانت حريصة على إرضاء أم خطيبها، ومجاملتها.
والدته: ما رأيك أليس جميلًا؟
مي: بل أصبح أكثر جمالًا حينما وضع بيديك ماما، تستحقين كل جميل ورائع ماما، وأردفت والدته: ابني الحبيب لا يجلب لأمه إلا الثمين، لي وحدي مكانة بقلبه لا تقارن بأحد، لا يستخسر في أمه شيء، واحتضنته وقبلته، وقبل رأسها نعم يا حبيبتي آدامك الله لي.
لكنه حزن حين انتبه أن ما ادخره قد ضاع، وبذلك لن يتمكن من شراء بعض التجهيزات كما وعد مي.
وقد ذهبوا جميعًا إلى بيت مي وكان أهلها قد أعدوا وليمة عشاء على شرف حضورهم واحتفالًا بشراء الشبكة.
وقرروا تحديد موعد لعمل حفل الخطبة، واتفقوا أنها ستكون متواضعة جدًا بحضور الأسرتين فقط.
وقد ذهبت العروس لاختيار فستان أنيق وجذاب ولامع لحفلة خطبتها، وهي في الطريق أتاها اتصال هاتفي من والدة حاتم تسألها ما لون فستان الخطبة حتى يشتري خطيبها ربطة عنق بنفس اللون ليكونا في تناسق وانسجام، ونزلت على الفور واشترت فستانًا بنفس لون فستان عروسة ابنها، وحينما سأل حاتم عروسه دهشت وقالت باستغراب: سألتني ماما منذ قليل وقولت لها "أوف وايت"
وهذه المرة دخل حاتم ليرى أمه قد قامت بشراء فستانًا " أوف وايت " ونظر لها مستنكرًا هو حفل خطبتها ولا يجوز أن يرتدي أحد مثلما العروس، هو يومها يا أمي لماذا تفعلين ذلك؟
ولم تجبه وصمتت وتركته بحجة أنها متعبة وتود أن تأخذ قسطًا من الراحة، وانتهز هو هذه الفرصة وأرسل رسالة لخطيبته أن تنتظره، ولا تترك محل أزياء الخطبة والزواج.
وذهب مسرعًا إليها وحينما وصل أرسل لها لتلتقي به خارج المحل وأثناء طريقه اشترى لنفسه ربطة عنق باللون الموڤ الهادىء، وطلب منها أن تشتري فستانًا بنفس لونه، وبدهاء الأنثى أدركت أنه أراد أن لا يتهشم خاطرها في يوم المفترض أنهما ينتظراه بفارغ الصبر، وأن أمه أرادت فعل شيء يعكر صفو ذلك اليوم عليهما، ووافقت على الفور ولكنها اختارت فستانًا باللون الموڤ مع الأوف وايت حتى لا تشعر والدة خطيبها المدللة بالغضب الشديد.
وفي يوم الخطبة كانت الأجواء رومانسية رائعة، وبدت مي في قمة أناقتها وكانت تثب من الفرحة،
ولكن عند وصول الأم بيت العروس هي وابنتها كانت الصدمة، وتحدثت إلى عروس ولدها: ألم تقولي لي أن لونه أوف وايت؟
مي: أجابت وهي تنظر إليها مبتسمة، وجدت هذا أجمل واخترته بلون فستانك ماما حتى نبدو في قمة الأناقة، والرونق.
قالت أم حاتم: قالت وهي في شدة الغيظ مبارك عليك يا ابنتي، كان يوم مبهج ورائع، وسعد حاتم بأنه وأخيرًا ظفر بالفتاة التي أحبها لسنوات وانتظرته، وجبر الله خواطرهما، وألبسها الشبكة وحينما ألبسها خاتم الخطبة اتسعت ابتسامتهما معًا، وبدأت صديقتها في تشغيل أغنية" نشيد العاشقين "
في أجواء احتفالية مليئة بالفرح والسعادة، بحضور الأصدقاء والأقرباء المقربين جدا للعائلتين، وانتهى الحفل الجميل بالاتفاق على تجهيز منزل الزوجية سريعًا؛ حتى يتم الزفاف في وقت قريب، على الرغم من أنه خسر كثيرًا بالإنفاق على هذا الخاتم الذي أهداه لأمه، وأهانته أمه بعد العودة إلى البيت بأنه عصاها أمام إخوته، ولأنه تربى على الأخلاق لم ينطق بكلمة واحدة، وقد أطاحت بكرامته، وكانت كلماتها صارمة أنه لن يتسنى له اخذ اي قرار بشأن تجهيز البيت إلا بأمر منها.
وبالفعل كانت مي تأخذ بعض الأجازات من مديرها للتجهيز، وفقدت الكثير من وزنها بشكل ملحوظ، وكانت تصطحب معها أمها وصديقتها همس أحيانًا، أما في منزل حاتم كانت تحكمات أمه هي المهيمنة على كل قرراته كما قالت من قبل، وكانت تصر على التقليل من كل ما يود شرائه لها، بل وترغمه على تجديد الأدوات المنزلية في بيتها، ومر على ذلك قرابة الثلاثة أشهر، وفي هذه الفترة افتقرت اللقاءات بين الخطيبين لإنشغالهما، كانا يجتمعان فقط أثناء شراء الأشياء التي تحتاج إلى رايهما معًا، ولكن، فجأة مر والد مي بوعكة صحية جعلت مي تنقطع عن عملها، وتعزف عن الخروج للشوار، وتهتم بأبيها، وكان لابد من تأجيل حفل الزواج.
أما حاتم فقد أبدى إعجابه بموقفها، وكان سندًا لهم، فتأكدت مي أنه عملة نادرة لن يتسنى لها أن تجد مثل هذا الرجل مرة أخرى، فقد ساهم في تكاليف علاج أبيها برغم اعتراضها على ذلك وأنها يمكنها الإستغناء عن بعض مصوغاتها الذهبية، لكنه غضب منها، وقال: أنا لم أسمع شيئًا، وهذا أبي، ولن أسمح لك بطمس واجبي نحوه.
والحمد استعاد والدها عافيته، وتفهم مديرها وضعها، وعادت إلى عملها، بدت هذه الفترة بها شقاء ومتعبة للغاية لأن مجهودها أصبح مضاعف، عمل، وشوار، وفي البيت كانت تقوم بمساعدة أمها، وفاجآها خطيبها بحجز ميعاد آخر لحفل الزفاف، وحجز رحلة جميلة لشهر العسل واتفق معها بأن لا يعلمها أحد أبدًا،
وأنه سيفاجيء الجميع بذلك، وبالفعل فاجىء أمه بأنه يعد حقيبة للسفر غير حقائبه التي ذهب بها إلى بيته، وأنه لم يعد وقتًا طويلًا للفرح، وهنا عزمت إن تخرب حياة زوجته وقررت إفساد فرحتها، وقامت بشراء فستانًا باللون الأوف وايت دون أن تعلم أحدًا، وكانت تتمايل وترقص في زفاف ابنها بشكل غير لائق، وبدا العروسين متألقان، مي التي كانت عروسًا بهية في فستانها الأبيض المزين بالفراشات التي تضوي، وحجابها الذي جعلها ملكة جمال، وزينة وجهها الرقيقة التي لم تكن مبالغ فيها، وسار اليوم أكثر بهجة وحبور، وكان الجميع سعداء، تجاهلت مي مظهر والدة زوجها الذي أثار غضبها لأجل الإنسان الرائع الذي منَّ الله عليها به، وانتهى اليوم في سعادة حاتم الذي ظفر بزوجة عاقلة صالحة.
وقبيل أن يغادر العروسين قاعة حفلة الزفاف ودع والدا مي ابنتهما وعريسها وذهبا إلى بيتهما، وودعا أمه وأخواته، وقالت الأم في سماجة واضحة: سأفتقدك بني، ابقى معي وقتًا لأني سأصاب بالوحشة دون وجودك حتى تعود، وأجابها الابن البار: ليس لي سواك يا أمي وأنت أيضًا سأفتقدك كثيرًا لكن رحلتنا ستبدأ باكرًا، ولابد أن نأخذ قسطًا من السبات والراحة، واستأذنها، لكنها بكت وعنفته بأن الزواج أنساه ما هي حقوق والدته عليه، فاضطر أن يذهب معها بعد أن خَير زوجته بأن تبقى أو تتوجه إلى غرفتها، لكنها أفصحت أنها ستظل معه فإنها لا تقوى على لحظة دونه، وأثار ذلك غضب الأم، وقالت لها: اذهبي أنت فمن المؤكد أن الأيام الماضية قد أهلكتك، وتبحثين عن الراحة، وظلت قليلًا معهما، ثم استأذنت لتغادر من التعب وثرثرة أمه بترهات وكلام ليس منه جدوى بشأن عمله وإخوته، ولاحظ أعسان التعب والإرهاق على زوجته فطلب من والدته تأجيل أي شيء حتى يعودا من رحلة شهر العسل، وكان متبقى ثلاث ساعات على الصباح فاستسلمت الأم وودعت ابنها وعانقته بقوة، وأفصحت لمي: أنت زوجته أما عني فهو لا يتسنى له أن ينساني لأني الأصل، وقالت مي: أنت تاج رؤوسنا يا أمي، آدامك الله لنا.
وذهبا العروسين إلى جناحهما وقد حملها حاتم في مشهد رومانسي بهي، وقد حدثها أنها أجمل انتصاراته، وأنه أخيرًا جمع بينهما القدر، وإنه لأجمل وأروع ما حدث، ومرت الساعات سريعًا، واستيقظا العروسين، وكانت الدار قد أعدت لهما فطورًا جميلًا، وأسرعا ليدركا وقت السفر إلى رحلة شهر العسل، وبدأ ت، وطلب الزوج سيارة لنقلهما إلى المطار، ومغادرة القاهرة والتوجه إلى الأسكندرية، رحلة بسيطة لكنهما كانا يعشقان الذهاب إليها، وكان قد أتم تأجير شقة لهما، وحينما وصلا قالت له بدلال: أود أن أرى البحر وأمواجه، لكنه أجاب: أنه هناك متسع من الوقت، لنستريح قليلًا من عناء السفر، فأومأت برأسها إيجابًا وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة أضاءت سماء الدنيا.
وتوجها إلى الشاطئ بعد أن استيقظا وبدلا ثيابهما، وتشبث كل منهما بالآخر، وكانا يضحكان ويمرحان، ويتناولا الطعام الذي أعدته مي قبيل زفافهما، وبعد ذلك أتى الغروب، وابتعدا قليلًا عن الشاطئ، وقت اتخذا برجولة ليجلسا فيها ويتأملا جمال وروعة وإبداع المساء مع صوت البحر، وضحكات الأطفال ومرحهم، كانت أجواء جميلة وقمة في الروعة، ومرت الرحلة في عجالة، وأتى يوم الرحيل من الأسكندرية إلى القاهرة، انقضت أيام الهناء، وستأتي أيام العناء والشقاء في خلال هذه الأيام قامت الأم الشريرة بعمل سحر بكره حاتم لزوجته، والتفريق بينهما في أسرع وقت دون أن يدري أحد، لأنها اعتبرت أنها اختطفت ابنها منها، ولم تنعم مي بعد رجوعها بيتها بالهناء، ولا بالراحة النفسية، ودامت الخلافات بين الزوجين، وأصبح البيت السعيد خالي من السعادة، وتبدلت نظرة مي وغدت تستوحش كل ركن في منزلها الذي صنعته بحب واقتناع، وكانت تصلي، وتدعو الله أن ينزع الله السم من بيتها، وتأمل حاتم حاله مع زوجته الذي تبدل في عجب!
أين ذهب الحب؟
دون جدوى حتى قرر أن ينهي حياته الزوجية، وينفصل عنها، وعلى الرغم من أنها كانت تود ذلك، إلا أن هذا القرار أودى بحالتها النفسية، فغدت في حالة اكتئاب ضاربة، وهو أيضًا بدا عابس الوجه، قليل الكلام، وبدأ يهمل في عمله، ولم يعلم بأن أقرب إنسانة لقلبه هي من صنعت ذلك، عصت فطرتها السامية، وهي تشعر أنها بذلك تحافظ عليه، أودى حبها وتعلقها به إلى هلاكه.
بقلم/ أسماء صلاح "قلب مزهر"
#كيان_صدفة«حماتي المدللة»
كل فتاة تتدلل في بيت والدها، حتى يأتي من يطلبها للزواج فتتبدل في اهتماماتها، وتغدو تتبارى مع تلك الفتاة المدللة فتقوم بهزيمتها، وتنتصر تلك التي ستصير ملكة على عرش قلب زوجها، وتغدق أبنائها في المستقبل بكل الحب والرعاية؛ ولذلك تبدأ في الإهتمام بشئون المنزل حتى تؤهل نفسها لتكون زوجة صالحة وأمًا حنونة.
أدعى مي تقدم للزواج مني زميلي في الجامعة، وقد تعرفت عليه في السنة الأخيرة، وبعد اجتيازه لمرحلة الجيش، وسوق العمل، وإعداد بيت ليكون مسكن للزوجية، صرح لي أنه له رغبة شديدة في إكمال نصف دينه معي، وكنت أراه شابًا دمث الخلق، طموح جدًا، ولم أجد فيه عيب واحد سوى أمه!
حاتم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حال أجمل فتاة رأتها عيني؟
مي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أصبحت أجمل وأروع منذ أن أحببتني أنت، قالتها بخجل ونبرة صوت رقيقة وناعمة.
حاتم: أما آن الأوان لأن يجمعنا بيت واحد، وتلك الوجنتين لا تحمر خجلًا من فيض المشاعر؟
أيعقل أن نكون زوجين، وتتردين في قول: أحبك!
الإجابة: لا يعقل، إذًا فلنفعلها دون تردد، ودون المكوث طويلًا في التفكير.
مي: فلنتروى قليلًا ليس هناك داعي لأن نمضي سريعًا في أخذ قرار مصيري كهذا، إهدأ فلا أعلم هل
سترضى بي عائلتك، وسأنال إعجابهم أم لا!
وقاطعها حاتم قائلًا: لا يهمني من سيرضى، ولكني واثقًا أنهم يريدون سعادتي، تعلمين حبيبتي أنني مقتنع بك، ووالدي انتقل إلى رحمة الله، ليس لي إلا أخت واحدة، وأخ توأم، وأمي، هي سيدة حسناء وجميلة، وليست كباقي الحموات هي تتمتع بالرفاهية والدلال، وقطعًا ستعاملك بنفس الدلال.
مي: سأعطيك رقم هاتف والدي ولتحديد موعد معه للقاء الأسرتين.
حاتم: في فرحة عارمة قال لها: فلتسرعي، ولتعلمين أني سأحدد ميعادًا للزفاف، ونكتفي بعمل يوم قراءة الفاتحة فقط.
مي: بعد أن أعطته رقم هاتف والدها، في انتظاركم، وسيغدو بيتنا مضيئًا بتلك الزيارة العطرة.
حاتم: أحلم بتلك اليوم الذي سيأذن الله بأن يجمعنا في بيت واحد يحيطه الحب والأمان.
مي: لأن يأذن الله لنا بذلك.
أغلقت الهاتف مع حاتم وعانقت والدتها في حبور، وتراقصت معها في فرحة عمت المنزل وهي تردد: أدخلي عمري بخطوتك اليمين، أضوي أيامي من عتمات السنين... في مقاطعة والدتها لها في حب: لؤلؤتي الثمينة التي لا تقدر بأموال الكون لست مثلك شابة، ماذا يغبطك هكذا فلتعترفين في عجالة.
مي: توقفت مي عن الرقص، وقالت وهي تزداد عينيها لمعان، ومدمعة من الفرح، ستكونين أم العروس عما قريب، وحماة أجمل رجل في عين ابنتك، وتثب كطفل رأى لعبته المفضلة لديه وحلوى كثيرة.
والدة مي: كان لديها علم بأن هناك من يحترم ابنتها، وينتظر أن يحين الوقت المناسب لطلب يدها، في سعادة قالت: حاتم حدثك بشأن خطوبتكما؟
مي: نعم يا أمي، استجاب الله طرقات دعائك له بأن يرزقني رجل صالح صادق الوعد، لم يتغير حتى بقلة محادثاتنا، وندرة اللقاء؛ بل كان يسعى بكل طاقاته ليظفر بي زوجة، وحبيبة، وصديقة ملكت قلبه دون سواها.
وراح حاتم يحدث والدته بشأن هذا الموضوع، لكنها أفصحت أنها لن تبدي موافقتها المبدئية على شيء إلا من بعد مقابلتها مع مي لتتأكد إن كانت تصلح له أم لا، لكنه رآها متعسفة جدًا في كلماتها مغمغم: وكيف ستلتقين بها خارج بيتها؟
حاتم: يا أمي أرجو منك أن تقدري مشاعري، هي ليست كباقي الفتيات اللاهيات، كانت زميلتي في الجامعة لفترة سنة، وكنت على تواصل معها حتى استقرت حياتي وعملي، واجتزت فترة الجيش وهي ترفض كل من يتقدم لخطبتها وانتظرتني طويلًا إن كانت غيرها كانت أصابها السأم، واختارت من هو مؤهل للزواج، لا أريد منك جعلها تشعر بالإحباط، وأنها كانت مخطئة حين قررت انتظاري.
في صمتٍ تام من والدته، وفي إنصات دام لأكثر من ساعة وهو يعدد خصال حبيبته الجميلة لأمه، ويثني على طيب أصلها، فجأة أجابته: إذن فلتتحدث مع والدها وتحدد موعدًا للقائها في أقرب وقت، فقط الآن اتركني لدي مناسبة صديقتي ولا أود أن أتأخر عنها، وإياكَ أن تقرر شيء دون العودة إلي، وداعًا ابني المحبوب.
قد هدأ بالًا من بعد حديث والدته، وأسرع في مهاتفة والد مي...
حاتم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك أستاذ عادل، أنا حاتم كنت زميلا لابنتك ويسرني أن أتي إلى منزلكم للتعرف إليكم أنا ووالدتي وأخواتي، وبعد أن تحدث إليه والد مي قليلًا وافق وقال: يسرنا يا بني على الرحب والسعة، نسعد برؤياكم، أنهى الحديث في عودة أخيه التوأم مالك، وبعد قليل أخته نغم قد عادت أيضًا من تمرين الاسكواش، وقد استقبلهم وكان يثب من فرحته مردفًا: ستكونا أخوات العريس عما قريب، يوم الخميس المقبل ستكون خطبتي على زميلة كانت بصحبتي في الجامعة فيما مضى، سيزف أخيكما إلى عروسه والعقبى لكما، وكان صدى فرحة أخواته قد ملأ جدران المنزل، وكان يضج بالزغاريد في بكاء مالك بقوله: وأخيرًا الفرحة ستعم بيتنا الصغير من بعد وفاة أبي الغالي، عانق حاتم أخواته في حنان مغمغمًا لا أحد يستطيع أن يفرقنا، أو ينزع الفرحة من قلوبنا أحبائي.
في منزل مي طرق والدها باب غرفتها، فقالت: نعم أبي الحبيب، رد عليها: افتقدتك ابنتي وحبيبتي فهل لي بجلسة لوقت قصير معك؟
أجابت في ود: وقد انتفضت من مكانها، وقامت بفتح غرفتها، بالتأكيد أبي وأنا أيضًا افتقدتك كثيرًا، وأجلست أباها ثم أردف: لقد استولى عملك عليك، وجعلنا مفتقرين تلك الجلسة الودودة التي اعتدنا عليها منذ زمن بعيد، وسيأتي فارس الأحلام ليأخذك على حصانه الأبيض كما في الروايات عما قريب.
مي: أزاحت وجهها عن أبيها في استحياء، وكان صوتها أشبه بالعكس مرددة: ماذا تقصد يا أبي بهذا القول؟ أنا لا أفهم ماذا تعني بتلك الكلمات؟
والد مي: نظر لها في خبث، أتودين إخباري بشيء ما؟
وهزت رأسها نافية وهي منكسة إياها خجلًا، ثم اتجه والدها إلى الباب وهم بفتحه قائلًا: إذًا فلأذهب لأخلد إلى النوم، واستوقفته قائلة: أهناك من حدثك بشأني؟
أجاب في خبث: بشأن ماذا؟
مي: يا أبي أتاك اتصال من زميل لي يدعى حاتم؟
عاد الأب واحتضن ابنته نعم أتى، لأول مرة تتحدثين كذبًا؟
مي: لا والله حاش لله، ما ربيتني على ذلك، ولم أعتاد الكذب في حديثي، إنه الخجل يا أبي، جعلني اتوارى من مشاعري، نعم يا أبي إنه زميل لي وتم تعارفنا في السنة الأخيرة من الجامعة، وقد انتظرته حتى أتم فترة التجنيد، وسعى لعمل مشروع خاص به، ولم يتكلم إلا بعد أن أعد البيت، وهو دمث الخلق، على قدر كبير من التدين، يكره التدخين، رياضي، والده متوفي، ويعيش برفقة أمه وأخواته.
والد مي: فلتستعد العروس للقاء أسرة خطيبها يوم الخميس المقبل بإذن الله، أتم الله أمورك على خير يا ابنتي.
عانقت والدها في حب وحنان وطبعت على وجنتيه ويده قبلة حنونة، ووالدها يبكي: سأشتاق إليك كثيرًا هو يريد أن يعجل بزواجكما، وربتت مي على كتف والدها لن أترككما يا أبي، ليس لي أعز منك أنت وأمي.
أغلقت الباب بعد رحيل والدها إلى غرفته، وأطفأت مصباح غرفتها، وأوقد التفكير والقلق مصابيحه، ماذا سترتدي؟ وكيف تستعد وليس لديها وقت كاف، لأن العمل كل يوم؟ ومن فرط التفكير أغلقت عينيها قبيل الفجر بساعتين تقريبًا في إرهاق تام.
طلت الشمس بأشعتها الذهبية الرائعة، وغردت الطيور، و استيقظت مي في إعياء تام مغمغمة: ياليت العمل يموت. تبًا ما أخذت ما يكفيني من الراحة، وفكرت مي أن تعتذر عن ذلك اليوم، وتستمر في نومها، إلا أن عادت لتتذكر أنها لابد لا تضيع أي من راتبها، فنفضت الغطاء عنها، وأشعلت المذياع على القرآن الكريم معلنة عدم استسلامها للكسل، وفتحت الباب و أخذت حمامًا باردًا لينعشها، وخرجت لتردد أذكارها، وتصلي وتستغفر، وارتدت ملابسها، وكانت قد تأهبت للخروج لعملها، وفتحت الباب وقد ألقت تحية الصباح على والديها، وقد تناولت طعامًا خفيفًا في عجالة، وقد اصطحبها والدها في طريقه إلى العمل.
كان يومًا لطيفًا على مي التي كانت تبتسم في وجه كل من تلتقي به من فرط سعادتها، وقبيل أن تنهي عملها، كانت تهمس لرفيقتها همس بأنها تريدها في أمر هام، فلا تتعجل وتذهب دونها.
وبعد إنتهاء فترة العمل، تناولت مشروب النسكافيه، ورحلت وقد هاتفت والديها بأنها ستتأخر قليلًا لأنها ستذهب لشراء مستلزمات العروس.
همس: ماذا تريدين؟ لقد تعبت كثيرا اليوم وأريد أن أرتاح... في مقاطعة مي: بل لابد وأن نذهب لشراء ما يلزم العروس، فلا تتركيني بمفردي.
همس: أي لوازم وأي عروس؟ عن ماذا تتحدثين؟
وشرحت لها مي بالتفصيل كل شيء، وارتادت الفتاتين الكثير من المحال التجارية المشهورة لشراء ملابس لصديقتها، وإكسسوارات، وقامت بشراء بعض المفارش الجديدة، والتحف، والفازات والورود، وتناولا مشروب الشيكولاتة البارد، والآيس كريم، وذهبتا الصديقتين كل واحدة إلى منزلها بعد إنتهاء هذا اليوم.
عادت مي متعبة من هذا اليوم، حتى والداها حاولا أن تتناول ولو وجبة عشاء خفيفة، لكنها رفضت لأنها بحاجة إلى نوم عميق، وبعدما استغرقت عدة ساعات في سباتها، وكانت قد صلت قبل أن تنام ودعت، واستغفرت كعادتها، رأت حاتم وقد أمسك بيده وردة وأهدى بها مي في رقة وظهرا يتأرجحا بأرجوحة مزينة بالورود جميلة ورقيقة لم تر شبيه لها، وجاءت والدة حاتم من بعيد ترتدي فستان أسود، وملامحها عابسة، ونادت على ابنها وطلبت منه شيئًا وترك مي بمفردها، فنظرت لها الأم بغضب وأخذت تلقي عليها بشوك وحاوطتها به حتى أصبحت لا تقوى على الحراك خشية أن تتأذى، ومي تستغيث وتصرخ لمَ؟ بماذا أسأت لك؟ واستفاقت من نومها وهي تصرخ، وتبكي وأنفاسها تكاد تنقطع، ودخلت أمها في هلع: محتضنة ابنتها ماذا أصابك يا حبة قلبي؟ ماذا رأيتِ؟ أكان جاثوم؟
لا تجيب بالرد وإنما تهز رأسها إيجابًا باكية، وأمها تتحدث إليها في حنان اطمئنِ، هو فقط منام مزعج ليس إلا، أنت بين ذراعي أمك، اهدأي وجلبت لها كأسًا صغيرة من الماء، وحينها كان موعد صلاة الفجر، ابتسمت الأم وقالت: أرأيتِ هذا هو الفرج، الله معك وسيحفظك يا ابنتي هيا لنصلي مع أبيك الفجر، وألقي بكل ما يزعجك خلف ظهرك.
وبعد أن صلوا الفجر جميعًا، كانت مي تبكي بحرقة وتقول: لا أريده يا أبي، لا أريده يا أمي، وصاح كل منهما من تقصدين؟ حاتم ؟
أجابت: نعم، لقد رأيت منامًا مزعجًا للغاية جعلني أتردد في قبول هذه الزيجة، توجه أباها إليها بالحديث: رسول الله صل الله عليه وسلم أقر بألا نتشائم، وإن رأينا كابوسًا نتفل عن اليسار ثلاث، ونستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن شر هذا المنام؛ فلا يمسنا سوء ولا أذى.
مي: فعلت ذلك يا أبي، وقد أديت الفريضة، وقرأت ما تيسر من كتاب الله قبيل أن أخلد إلى النوم.
الوالد: هل قام حاتم بأذيتك في الجاثوم؟
مي: كلا لم يفعل أبدًا لا في المنام ولا في أرض الواقع.
الوالد: لن أسألك مجددًا.
وأردف: ابنتي لنراهم في بداية ثم نقرر لاحقًا، والآن انهضي للاستعداد للذهاب إلى عملك، ولتكثري من الإستغفار والحوقلة، وأيضًا صلاة الاستخارة كل يوم، اومأت برأسها إيجابًا، واستعدت وتناولت وجبة الإفطار وذهبت إلى عملها، لكنها اليوم لم تكن سعيدة، أصبح القلق يسري إليها، ويلتهم سعادتها، وانتبهت همس قائلة: ماذا أصابك اليوم؟
ردت مي في تلعثم: لا شيء، لم أخذ كفايتي أثناء النوم وأعاني من صداع.
أدركت همس أن صديقتها تود أن تحتفظ بشيء ما يخصها، وصمتت، أنهوا العمل وقبل أن يتحدثا سويًا قاطعهم اتصال من حاتم لمي، لكنها لم تجيب، وتجاذبت أطراف الحديث مع همس قائلة: هل هناك علامات تشير إلى مدى نجاح مشروع أو خطوة نقدم عليها؟ وأجابت همس: هناك إشارات من الله يرسلها لنا وذلك يحدث لأنقياء القلوب.
أجابت مي: محقة بكل ما أفصحت به، أصبت.
ووصلت إلى البيت، لكنها كانت عابسة، حتى رفضت أن تتناول شيئًا، وانزوت في غرفتها، وصلت، ودعت يارب إن كان به تعاستي فاصرفه عني، وإن كان به سعادتي فقربني منه، وعجل لنا بالفرح.
ونامت وهذه المرة رأت أمه تجذبها من يدها وتلقي بها في حفرة عميقة، واستفاقت ولكن متجهمة لا تفهم شيئًا، واستعاذت بالله من الشيطان الرجيم و من شر المنام، وقامت بأن تتفل على يسارها ثلاثًا، وقررت أن تبحث عن تأويل المنام في القرآن والسنة على الانترنت، ولكنها صدمت لما رأت التفسير أن حماتها المستقبلية ستكون سببًا في مشكلات نفسية، واجتماعية لها، وبكت الفتاة لأنها ظنت أنه شاب ليس له مثيل في الكون، وأنها ستحيا معه حياة سعيدة، وحاولت أن تتخطى تلك المخاوف، وتسمع كلام والدها فيما حدثها به منذ الرؤية الأولى، وتستعد وتعد البيت هي ووالدتها لاستقبال الضيوف فلم يتبق سوى يومين فقط.
وأتي ذلك اليوم وبدت مي في فستان أنيق، وفضفاض لونه أخضر فهي تستبشر به، وارتدت حجاب طويل، ووضعت القليل من الميك آب، وأتي الشاب وأسرته، وقاما الوالدين بالترحيب بهم، وكانت نظرة والدة حاتم لمي غريبة؛ فقد رمقتها بنظرة غاضبة متعالية معبرة عن فرط غيرتها على ابنها ورحبت بها ببرود، أما عن نغم فقد كانت ودودة في حديثها مع عروس أخيها، وقالت لها: يحفني الحبور والغبطة بأنك ستكونين أختي الغالية وزوجة أخي أهلًا بك في عائلتنا، أما أخوه التوأم فأثنى على جمالها وبساطتها ورقتها وأدبها قائلًا: لقد اصطفى أخي أجمل وأرق الورود.
وقدم حاتم باقة ورد بهية لمي، وقد بدا حاتم في حلة سوداء أنيقة وقميصًا باللون الليلاه، وربطة عنق موڤ ورمادي، والتقطتها منه قائلة في رقة: الورد لا يهدي إلا الورد، أشكرك.
وقاموا بتقديم المشروبات والحلوى، والجاتوه الذي جلبه حاتم معه، وتجاذبوا أطراف الحديث بشأن التعارف، وبدت الأم متعسفة، وكأنها أرادت أن تتصنع المشاكل لإفساد تلك المقابلة، لكن حاتم وأخوته تدخلوا بلطف أنهم يريدون إنهاء مراسم قراءة الفاتحة، وعقد القران والزفاف في أسرع وقت، وحاولت مي كساب ثقة والدة حاتم، بقولها: أراك الأخت الصغرى لحاتم، كم أنت رقيقة وأنيقة، وردت الأم: محقة في كل حرف حبيبتي فلقد تزوجت من والد حاتم في سن صغيرة، وأنجبت حاتم ومالك في نفس العام، وكل من يراني لا يصدق أنهم أبنائي، وضحك الجميع، وتهللت أسارير حاتم ومي، وتمت قراءة الفاتحة، وفي اليوم التالي قررا أن لا يضيعا الوقت وأن يذهبا لشراء الشبكة، واختيار كل ركن في منزلهم المستقبلي.
وفي محل الذهب بدت مي مرتدية فستان وردي أنيق وبسيط، وحاتم قميصًا أبيض وبنطلون رمادي وظهرت أمه ببنطولًا ضيقًا، وبلوزة قصيرة كنارية اللون بها ورد أبيض كفتاة في عمر السادس عشر من عمرها!
وارتدى الوالدين ثيابًا بسيطة وأنيقة وراقية جدًا.
وكانا الخطيبين قد اتفقا على اختيار كل ما ينال إعجاب مي فحسب، وكانت تختار مي شبكة بسيطة وأنيقة وليست باهظة الثمن، لكنه لم يعجبه ذلك واختار لها أشياء أخرى بخلاف ما اختارته، وأمه تستشيط غضبًا، وفجأة خرجت عن صمتها قائلة: وأمك أتراها عجوز لا تستحق أن تهديها؟
أأنستك خطيبتك أمك؟
وقال لها بلطف: كيف ذلك يا أماه، أنت تاج رأسي، وكلي ملك يديك، واختار لها خاتمًا صغيرًا، لكنه بدى أنيق وجذاب بفص موڤ.
ارتبكت مي وعائلتها من تصرف حماة ابنتها، وأحست الأم بقلق نحو حياة مي القادمة.
وصاحت الأم في غضب: هل هذا هو مقام أمك؟
خاتم صغير تلقيه لأمك وتبخل عليها؟
أما يكون لي نصيب في طاقم ثمين من الذهب، وماذا عن أختك؟ أنسيتها هي الأخرى؟
وخجل حاتم من صراخ أمه في وجهه، وتحدث إلى والدته جانبًا يا أمي تعلمين أن تجهيز البيت يتكلف الكثير، اقبلي به الآن وأعدك بأن أجلب لك تصميم لك وحدك ولكن بعد إتمام لوازم البيت.
صاحت الأم في وجه ابنها مرددة: لااااااااااااااااااااا، لست ابني المحبوب، لن أرضى عنك، وردد مع ذاتك ماتت أمي، هذه هي البداية، وتركته وذهبت، وهو يقف صامتًا حزينًا، والجميع في دهشة مما يحدث، وقالت مي بلطف: حاتم اذهب خلفها، ولا تتركها غاضبة هكذا، ولم ينتظر وركض خلفها مناديًا: أمي، انتظري واهدأي تعلمين أن مكانتك في قلبي لا تضاهي مكانة العالم أجمع، ولا حتى خطيبتي، فلتأتي معي وتختاري ما يعجبك، وليتأجل كل شيء لأظفر برضاكِ عني، وعادت إلى محل الذهب، ونظرت لمي وأهلها نظرة انتصار، واختارت خاتم وسوار أغلى من شبكة خطيبة ابنها وأردفت: روح قلب ماما، متيمة أنا بهذا الخاتم وهذا السوار، وارتدتهم في يدها وأرادت لمي أن تغتاظ، لكن والدة مي هي التي كانت تستشيط غضبًا، وزاد قلقها، لأنها شعرت أن تلك الأم تحمل خبثًا في علاقتها بابنها وزوجته فيما بعد، لكن مي كانت حريصة على إرضاء أم خطيبها، ومجاملتها.
والدته: ما رأيك أليس جميلًا؟
مي: بل أصبح أكثر جمالًا حينما وضع بيديك ماما، تستحقين كل جميل ورائع ماما، وأردفت والدته: ابني الحبيب لا يجلب لأمه إلا الثمين، لي وحدي مكانة بقلبه لا تقارن بأحد، لا يستخسر في أمه شيء، واحتضنته وقبلته، وقبل رأسها نعم يا حبيبتي آدامك الله لي.
لكنه حزن حين انتبه أن ما ادخره قد ضاع، وبذلك لن يتمكن من شراء بعض التجهيزات كما وعد مي.
وقد ذهبوا جميعًا إلى بيت مي وكان أهلها قد أعدوا وليمة عشاء على شرف حضورهم واحتفالًا بشراء الشبكة.
وقرروا تحديد موعد لعمل حفل الخطبة، واتفقوا أنها ستكون متواضعة جدًا بحضور الأسرتين فقط.
وقد ذهبت العروس لاختيار فستان أنيق وجذاب ولامع لحفلة خطبتها، وهي في الطريق أتاها اتصال هاتفي من والدة حاتم تسألها ما لون فستان الخطبة حتى يشتري خطيبها ربطة عنق بنفس اللون ليكونا في تناسق وانسجام، ونزلت على الفور واشترت فستانًا بنفس لون فستان عروسة ابنها، وحينما سأل حاتم عروسه دهشت وقالت باستغراب: سألتني ماما منذ قليل وقولت لها "أوف وايت"
وهذه المرة دخل حاتم ليرى أمه قد قامت بشراء فستانًا " أوف وايت " ونظر لها مستنكرًا هو حفل خطبتها ولا يجوز أن يرتدي أحد مثلما العروس، هو يومها يا أمي لماذا تفعلين ذلك؟
ولم تجبه وصمتت وتركته بحجة أنها متعبة وتود أن تأخذ قسطًا من الراحة، وانتهز هو هذه الفرصة وأرسل رسالة لخطيبته أن تنتظره، ولا تترك محل أزياء الخطبة والزواج.
وذهب مسرعًا إليها وحينما وصل أرسل لها لتلتقي به خارج المحل وأثناء طريقه اشترى لنفسه ربطة عنق باللون الموڤ الهادىء، وطلب منها أن تشتري فستانًا بنفس لونه، وبدهاء الأنثى أدركت أنه أراد أن لا يتهشم خاطرها في يوم المفترض أنهما ينتظراه بفارغ الصبر، وأن أمه أرادت فعل شيء يعكر صفو ذلك اليوم عليهما، ووافقت على الفور ولكنها اختارت فستانًا باللون الموڤ مع الأوف وايت حتى لا تشعر والدة خطيبها المدللة بالغضب الشديد.
وفي يوم الخطبة كانت الأجواء رومانسية رائعة، وبدت مي في قمة أناقتها وكانت تثب من الفرحة،
ولكن عند وصول الأم بيت العروس هي وابنتها كانت الصدمة، وتحدثت إلى عروس ولدها: ألم تقولي لي أن لونه أوف وايت؟
مي: أجابت وهي تنظر إليها مبتسمة، وجدت هذا أجمل واخترته بلون فستانك ماما حتى نبدو في قمة الأناقة، والرونق.
قالت أم حاتم: قالت وهي في شدة الغيظ مبارك عليك يا ابنتي، كان يوم مبهج ورائع، وسعد حاتم بأنه وأخيرًا ظفر بالفتاة التي أحبها لسنوات وانتظرته، وجبر الله خواطرهما، وألبسها الشبكة وحينما ألبسها خاتم الخطبة اتسعت ابتسامتهما معًا، وبدأت صديقتها في تشغيل أغنية" نشيد العاشقين "
في أجواء احتفالية مليئة بالفرح والسعادة، بحضور الأصدقاء والأقرباء المقربين جدا للعائلتين، وانتهى الحفل الجميل بالاتفاق على تجهيز منزل الزوجية سريعًا؛ حتى يتم الزفاف في وقت قريب، على الرغم من أنه خسر كثيرًا بالإنفاق على هذا الخاتم الذي أهداه لأمه، وأهانته أمه بعد العودة إلى البيت بأنه عصاها أمام إخوته، ولأنه تربى على الأخلاق لم ينطق بكلمة واحدة، وقد أطاحت بكرامته، وكانت كلماتها صارمة أنه لن يتسنى له اخذ اي قرار بشأن تجهيز البيت إلا بأمر منها.
وبالفعل كانت مي تأخذ بعض الأجازات من مديرها للتجهيز، وفقدت الكثير من وزنها بشكل ملحوظ، وكانت تصطحب معها أمها وصديقتها همس أحيانًا، أما في منزل حاتم كانت تحكمات أمه هي المهيمنة على كل قرراته كما قالت من قبل، وكانت تصر على التقليل من كل ما يود شرائه لها، بل وترغمه على تجديد الأدوات المنزلية في بيتها، ومر على ذلك قرابة الثلاثة أشهر، وفي هذه الفترة افتقرت اللقاءات بين الخطيبين لإنشغالهما، كانا يجتمعان فقط أثناء شراء الأشياء التي تحتاج إلى رايهما معًا، ولكن، فجأة مر والد مي بوعكة صحية جعلت مي تنقطع عن عملها، وتعزف عن الخروج للشوار، وتهتم بأبيها، وكان لابد من تأجيل حفل الزواج.
أما حاتم فقد أبدى إعجابه بموقفها، وكان سندًا لهم، فتأكدت مي أنه عملة نادرة لن يتسنى لها أن تجد مثل هذا الرجل مرة أخرى، فقد ساهم في تكاليف علاج أبيها برغم اعتراضها على ذلك وأنها يمكنها الإستغناء عن بعض مصوغاتها الذهبية، لكنه غضب منها، وقال: أنا لم أسمع شيئًا، وهذا أبي، ولن أسمح لك بطمس واجبي نحوه.
والحمد استعاد والدها عافيته، وتفهم مديرها وضعها، وعادت إلى عملها، بدت هذه الفترة بها شقاء ومتعبة للغاية لأن مجهودها أصبح مضاعف، عمل، وشوار، وفي البيت كانت تقوم بمساعدة أمها، وفاجآها خطيبها بحجز ميعاد آخر لحفل الزفاف، وحجز رحلة جميلة لشهر العسل واتفق معها بأن لا يعلمها أحد أبدًا،
وأنه سيفاجيء الجميع بذلك، وبالفعل فاجىء أمه بأنه يعد حقيبة للسفر غير حقائبه التي ذهب بها إلى بيته، وأنه لم يعد وقتًا طويلًا للفرح، وهنا عزمت إن تخرب حياة زوجته وقررت إفساد فرحتها، وقامت بشراء فستانًا باللون الأوف وايت دون أن تعلم أحدًا، وكانت تتمايل وترقص في زفاف ابنها بشكل غير لائق، وبدا العروسين متألقان، مي التي كانت عروسًا بهية في فستانها الأبيض المزين بالفراشات التي تضوي، وحجابها الذي جعلها ملكة جمال، وزينة وجهها الرقيقة التي لم تكن مبالغ فيها، وسار اليوم أكثر بهجة وحبور، وكان الجميع سعداء، تجاهلت مي مظهر والدة زوجها الذي أثار غضبها لأجل الإنسان الرائع الذي منَّ الله عليها به، وانتهى اليوم في سعادة حاتم الذي ظفر بزوجة عاقلة صالحة.
وقبيل أن يغادر العروسين قاعة حفلة الزفاف ودع والدا مي ابنتهما وعريسها وذهبا إلى بيتهما، وودعا أمه وأخواته، وقالت الأم في سماجة واضحة: سأفتقدك بني، ابقى معي وقتًا لأني سأصاب بالوحشة دون وجودك حتى تعود، وأجابها الابن البار: ليس لي سواك يا أمي وأنت أيضًا سأفتقدك كثيرًا لكن رحلتنا ستبدأ باكرًا، ولابد أن نأخذ قسطًا من السبات والراحة، واستأذنها، لكنها بكت وعنفته بأن الزواج أنساه ما هي حقوق والدته عليه، فاضطر أن يذهب معها بعد أن خَير زوجته بأن تبقى أو تتوجه إلى غرفتها، لكنها أفصحت أنها ستظل معه فإنها لا تقوى على لحظة دونه، وأثار ذلك غضب الأم، وقالت لها: اذهبي أنت فمن المؤكد أن الأيام الماضية قد أهلكتك، وتبحثين عن الراحة، وظلت قليلًا معهما، ثم استأذنت لتغادر من التعب وثرثرة أمه بترهات وكلام ليس منه جدوى بشأن عمله وإخوته، ولاحظ أعسان التعب والإرهاق على زوجته فطلب من والدته تأجيل أي شيء حتى يعودا من رحلة شهر العسل، وكان متبقى ثلاث ساعات على الصباح فاستسلمت الأم وودعت ابنها وعانقته بقوة، وأفصحت لمي: أنت زوجته أما عني فهو لا يتسنى له أن ينساني لأني الأصل، وقالت مي: أنت تاج رؤوسنا يا أمي، آدامك الله لنا.
وذهبا العروسين إلى جناحهما وقد حملها حاتم في مشهد رومانسي بهي، وقد حدثها أنها أجمل انتصاراته، وأنه أخيرًا جمع بينهما القدر، وإنه لأجمل وأروع ما حدث، ومرت الساعات سريعًا، واستيقظا العروسين، وكانت الدار قد أعدت لهما فطورًا جميلًا، وأسرعا ليدركا وقت السفر إلى رحلة شهر العسل، وبدأ ت، وطلب الزوج سيارة لنقلهما إلى المطار، ومغادرة القاهرة والتوجه إلى الأسكندرية، رحلة بسيطة لكنهما كانا يعشقان الذهاب إليها، وكان قد أتم تأجير شقة لهما، وحينما وصلا قالت له بدلال: أود أن أرى البحر وأمواجه، لكنه أجاب: أنه هناك متسع من الوقت، لنستريح قليلًا من عناء السفر، فأومأت برأسها إيجابًا وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة أضاءت سماء الدنيا.
وتوجها إلى الشاطئ بعد أن استيقظا وبدلا ثيابهما، وتشبث كل منهما بالآخر، وكانا يضحكان ويمرحان، ويتناولا الطعام الذي أعدته مي قبيل زفافهما، وبعد ذلك أتى الغروب، وابتعدا قليلًا عن الشاطئ، وقت اتخذا برجولة ليجلسا فيها ويتأملا جمال وروعة وإبداع المساء مع صوت البحر، وضحكات الأطفال ومرحهم، كانت أجواء جميلة وقمة في الروعة، ومرت الرحلة في عجالة، وأتى يوم الرحيل من الأسكندرية إلى القاهرة، انقضت أيام الهناء، وستأتي أيام العناء والشقاء في خلال هذه الأيام قامت الأم الشريرة بعمل سحر بكره حاتم لزوجته، والتفريق بينهما في أسرع وقت دون أن يدري أحد، لأنها اعتبرت أنها اختطفت ابنها منها، ولم تنعم مي بعد رجوعها بيتها بالهناء، ولا بالراحة النفسية، ودامت الخلافات بين الزوجين، وأصبح البيت السعيد خالي من السعادة، وتبدلت نظرة مي وغدت تستوحش كل ركن في منزلها الذي صنعته بحب واقتناع، وكانت تصلي، وتدعو الله أن ينزع الله السم من بيتها، وتأمل حاتم حاله مع زوجته الذي تبدل في عجب!
أين ذهب الحب؟
دون جدوى حتى قرر أن ينهي حياته الزوجية، وينفصل عنها، وعلى الرغم من أنها كانت تود ذلك، إلا أن هذا القرار أودى بحالتها النفسية، فغدت في حالة اكتئاب ضاربة، وهو أيضًا بدا عابس الوجه، قليل الكلام، وبدأ يهمل في عمله، ولم يعلم بأن أقرب إنسانة لقلبه هي من صنعت ذلك، عصت فطرتها السامية، وهي تشعر أنها بذلك تحافظ عليه، أودى حبها وتعلقها به إلى هلاكه.
بقلم/ أسماء صلاح "قلب مزهر"
#كيان_صدفة