« شبح الماضي»

 


حياة بائسة محيطة بالفساد، لا ينم من شبح خلفها سوى الدمار، مستقبل وحياة على شفا حفرة من الهلاك، طريقا مظلما آخر مسلكه الموت أو الضياع، وإذا نجوت منه يكون نقطة سوداء في حياتك.

-يوم من أيام الصيف، نهار حارٍ جارف، يكاد يحرق كل أخضرٍ ويابس على بساط الأرض، في موقع العمل حيث الرمال والزلط ومواد البناء يستحوذون على بعض مساحات الأرض، وصوت الآت البناء تدوي على مسامع جميع العمال و المهندسون، شعر المهندس "باسل " بصداع يحتل رأسه، لا يدري هل من أشعة الشمس المسلطة على جسده ومن الضجيج الذي حوله، أم من التفكير في الماضي الذي يطارده مثل الشبح، زفر بضيق وابتعد قليلا عن تلك الضوضاء، في مكان يحتويه الظل، وجلس على صخرة كبيرة، يظلها جدارًا إحدى العقارات، هاربًا من الحر الذي يسيطر على انحاء المكان يريح جسده النحيل المنصهر ومن انهاك العمل، في مكان منزوي عن الجميع ينظر في الفراغ بعينيه العسليتين التي بها حنان يكفي العالم بأسره، محاطة بأهداب بنية حولها هالات زرقاء، ووجهه البرونزي يبلغ من العمر ثلاثون خريفا ملامحه يصبغها طابع التحدي والصرامة، ولكن ما اقترفه في حق نفسه منذ عشرة أعوام جعله هشا من الداخل، يريد أن يبوح لخطيبته "رُوميساء" على الجانب المظلم في حياته، ليبدأ حياته معها على نور، وفي نفس الآن يخشى أن تعلم شيء من هذا الظلام الموحش فيسقط من نظرها وتتركه، وهو لم يتحمل بعدها عنه، فهى بالنسبة له الهواء الذي يتنفسه، ليعيش حياته فبدونها حياته كالبيداء الجرداء، فإذا لم يطلعها على ذاك السر الآن فمن المؤكد سيأتي يومًا وتعرف فيه الحقيقة من غيره من الذين كانوا معه في مصحة الإدمان ويكون تعقد الأمر أكثر إذا جاء هذا اليوم وهو متزوجها ومعه أطفال، فإن السر مهما مر عليه من السنين سيكشف لا محالة، رفع يديه للسماء يتضرع لمولاه، أن يساعده في تلك المعضلة، وأثناء دعائه أتاه صفوان أحد العمال بهيئته المشعثة وجسده المفتول وأخبره وهو يلهث أن المهندس "عادل" يريده على الفور، نهض من على الصخرة وسار معه وحين اقترب من المبنى، لم يجد "عادل" ورأى فتاة حسناء، ذات جسد رشيق عيونها سوداء لها نظرة بريئة تشعر منها بالاحتواء، بشرتها بيضاء صافية ذات ملامح رقيقة، محتضنة ذراعيها فوق صدرها، تفاجأ بها وقال في خاطره بدهشة:

- روميساء؟!

سألته بتهكم: هل ستظل مندهشًا كثيرًا هكذا؟! نفى وصافحها بابتسامة رحب بها، صافحته هى ببرود، لم يعقب، جاء يسألها عن سبب إتيانها في تلك الذروة فإن الطقس لا يمزح، قاطعته بسؤالها الغير متوقع عن سبب هروبه منها، وكأنه يريد التخلص من ارتباطهما أو يخفي شيء عنها، ومع إصرارها على المصارحة، قص لها كل شيء بوجه واجم منكسر، واعترف لها أنه هو من خاض هذا الطريق الفاسد، وهو أيضا الذي قرر التعافي من تلك السموم، لذلك كان يخشى مواجهتها أنها تفعل مثل التي فعلت مع زميل له عايرته وتسببت في فصله من العمل وتركته ، ثم تنفس الصعداء، أخذ ينظر إليها بترقب ينتظر ردة فعلها، المصير الذي يخشاه، بينما هى بعد نظراتها المطولة له أخبرته بعين دامعة أن الشخص الذي يدرك خطأه ويعلم المعاناة التي سيتلقاها من علاج الإدمان ليصحح مسار حياته يكون إنسان سوي، ويفتخر به، لأن هذا القرار ليس سهلا على الإطلاق؛ وأن هذا الماضي لا يعنيها فهى أحبت شخصيته التي شعرت منها بالاحتواء ولم تتركه أبدًا، استخبرت بعتاب كيف ظن به هكذا؟! بعد سماع باسل تلك الكلمات من روميساء، شعر أن روحه عادت له مجددا وأن الدنيا منحته الأمان، أجابها بحب أنه لم يظنها تفكر بهذا العمق ظنها أنها سطحية، ثم تنهد وعاهدها أنه سيفعل كل ما يستطيع لإسعادها، وأخبرها أنه لم يسوف مجددا موعد القِران وسيكون بعد شهر بعد انتهاء المشروع.

ربما أحيانا الدنيا تجعلنا نفعل أشياء رغمًا عنا، وأحيانا أخرى نحن من يسلك طريق الشوك حبًا في لذة الشهوات وهوى النفس، ويترك نفسه لضياع، ولكن هناك من يلحق نفسه ويكسب نفسه.

تمت بحمد الله

إسلام إيهاب

أكتُب ما لا أبوح بِه؛ لطالما كان قَلمي خير جَليس. _ إسلام إيهاب

إرسال تعليق

أحدث أقدم